ـ وحكي ـ أن الشيخ أبا الفوارس شاهين بن شجاع الكرماني رضي الله عنه خرج للصيد وهو ملك كرمان فأمعن في الطلب حتى وقع في برية مقفرة وحده فإذا هو بشاب راكب على سبع وحوله سباع فلما رأته ابتدرت نحوه فزجرها الشاب عنه فلما دنا إليه سلم عليه وقال له : يا شاه ما هذه الغفلة عن الله اشتغلت بدنياك عن آخرتك وبلذتك وهواك عن خدمة مولاك إنما أعطاك الله الدنيا لتستعين بها على خدمته فجعلتها ذريعة إلى الاشتغال عنه فبينما الشاب يحدثه إذ خرجت عجوز بيدها شربة ماء فناولتها الشاب فشرب ودفع باقيها إلى الشاه فشربه فقال : ما شربت شيئاً الذّ منه ولا أبرد ولا أعذب ثم غابت العجوز فقال الشاب : هذه الدنيا وكلها الله إلى خدمتي فما احتجت إلى شيء إلا أحضرته إليّ حين يخطر ببالي أما بلغك أن الله تعالى لما خلق الدنيا قال لها : يا دنيا من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه فلما رأى ذلك تاب وكان منه ما كان فهذان الملكان بالكسر صارا ملكين بالفتح بقدرة الله تعالى فجاء في حقهما يزيد في الخلق ما يشاء والله الموفق.
﴿مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَه مِنا بَعْدِه وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يا اأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَـالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِا لا إله إِلا هُوَا فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
﴿مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ﴾ ما شرطية في محل النصب بيفتح.
والفتح في الأصل إزالة الاغلاق وفي العرف الظفر ولما كان سبباً للإرسال والاطلاق استعير له بقرينة لا مرسل له مكان الفاتح.
وفي "الإرشاد" عبر عن إرسالها بالفتح إيذاناً بأنها أنفس الخزائن وأعزها منالاً وتنكيرها للإشاعة والإبهام أي : أي شيء يفتح الله من خزائن رحمته أية رحمة كانت من نعمة وصحة وعلم وحكمة إلى غير ذلك وبالفارسية (آنكه بكشايد خداى براى مردمان وفرستد بديشان از بخشايش خويش ون نعمت وعافيت وصحت) ﴿فَلا مُمْسِكَ لَهَا﴾ أي : لا أحد من المخلوقات يقدر على إمساكها وحبسها فإنه لا مانع لما أعطاه.
قيل : الفتح ضربان : فتح الهي وهو النصرة بالوصول إلى العلوم والهدايات التي هي ذريعة إلى الثواب والمقامات
٣١٥
المحمودة فذلك قوله :﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾ (الفتح : ١) وقوله :﴿فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ﴾ (المائدة : ٥٢) والثاني فتح دنيوي وهو النصرة في الوصول إلى اللذات البدنية وذلك قوله :﴿مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ﴾ وقوله :﴿لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِ﴾ (الأعراف : ٩٦) ﴿وَمَا يُمْسِكْ﴾ أي : أي شيء يمسكه ويحبسه ويمنعه ﴿فَلا مُرْسِلَ لَهُ﴾ أي : لا أحد من الموجودات يقدر على إرساله وإعطائه فإنه لا معطي لما منعه.
واختلاف الضمير بالتذكير والتأنيث لما أن مرجع الأول مفسر بالرحمة ومرجع الثاني مطلق في كل ما يمسكه من رحمته وغضبه.
ففي التفسير الأول وتقييده بالرحمة إيذان بأن رحمته سبقت غضبه أي : في التعلق وإلا فهما صفتانتعالى لا تسبق إحداهما الأخرى في ذاتهما ﴿مِّنا بَعْدِهِ﴾ على تقدير المضاف أي : من بعد إمساكه ومنعه كقوله :﴿فَمَن يَهْدِيهِ مِنا بَعْدِ اللَّهِ﴾ أي : من بعد هداية الله ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب على كل ما يشاء من الأمور التي من جملتها الفتح والإمساك فلا أحد ينازعه ﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي يفعل ما يشاء حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان النبي عليه السلام يقول في دبر الصلاة "لا إله إلا الله وحده لا شريك له وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" وهو بالفتح الحظ والإقبال في الدنيا أي : لا ينفع الفتى المحظوظ حظه منك أي : بدل طاعتك وإنما ينفع العمل والطاعة.
وعن معاذ رضي الله عنه مرفوعاً "لا تزال يد الله مبسوطة على هذه الأمة ما لم يرفق خيارهم بشرارهم ويعظم برّهم فاجرهم ويعن قراؤهم أمراءهم على معصية الله فإذا فعلوا نزع الله يده عنهم".
صاحب "كشف الأسرار" (كويد أرباب فهم بدانندكه اين آيت درباب فتوح مؤمنان وارباب عرفانست وفتوح آنرا كويند كه ناجسته وناخواسته آيد وآن دوقسمت يكى مواهب صوريه ون رزق نا مكتسب وديكر مطالب معنويه وآن علم لدنيست نا آموخته).
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
دست لطفش منبع علم وحكم
بى قلم بر صفحه دل زد رقم
علم اهل دل نه از مكتب بود
بلكه از تلقين خاص رب بود
فعلى العاقل أن يجتهد حتى يأتي رزقه الصوري والمعنوي بلا جهد ومشقة وتعب.


الصفحة التالية
Icon