ـ روي ـ عن الشيخ أبي يعقوب البصري رضي الله عنه أنه قال جعت مرة في الحرم عشرة أيام فوجدت ضعفاً فحدثتني نفسي أن أخرج إلى الوادي لعلي أجد شيئاً يسكن به ضعفي فخرجت فوجدت سلجمة مطروحة فأخذتها فإذا برجل جاء فجلس بين يديّ ووضع قمطرة وقال هذه لك فقلت كيف خصصتني بها؟ فقال : اعلم إنا كنا في البحر منذ عشرة أيام فأشرفت السفينة على الغرق فنذر كل واحد منا نذراً إن خلصنا الله أن يتصدق بشيء ونذرت أنا إن خلصني الله أن أتصدق بهذه على أول من يقع عليه بصري من المجاورين وأنت أول من لقيته قلت : افتحها ففتحها فإذا فيها كعك ممصر ولوز مقشر وسكر كعاب فقبضت قبضة من ذا وقبضة من ذا وقلت : ردّ الباقي إلى صبيانك هدية مني إليهم وقد قبلتها ثم قلت في نفسي رزقك يسير إليك منذ عشرة أيام وأنت تطلبه في الوادي.
٣١٦
صائب فريب نعمت الوان نمى خوريم
روزىء خود زخوان كرم ميخوريم ما
وقال :
كشاد عقده روزى بدست تقديراست
مكن ز رزق شكايت ازين وآن زنهار
اللهم افتح لنا خير الباب وارزقنا مما رزقت أولى الألباب إنك مفتح الأبواب.
يا اأَيُّهَا النَّاسُ} عامة فاللام للجنس أو يا أهل مكة خاصة فاللام للعهد ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ نعمه رسمت بالتاء في أحد عشر موضعاً من القرآن ووقف عليها بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب أي : إنعامه عليكم إن جعلت النعمة مصدراً وكائنة عليكم إن جعلت اسماً أي : راعوها واحفظوها بمعرفة حقها والاعتراف بها وتخصيص العبادة والطاعة بمعطيها سواء كانت نعمة خارجة كالمال والجاه أو نعمة بدنية كالصحة والقوة أو نعمة نفسية كالعقل والفطنة ولما كان ذكر النعمة مؤدياً إلى ذكر المنعم قال بطريق الاستفهام الإنكاري ﴿هَلْ مِنْ خَـالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ أي : هل خالق مغاير له تعالى موجود أي : لا خالق سواه على أن خالق مبتدأ محذوف الخبر زيدت عليه من تأكيدا للعموم وغير الله نعت له باعتبار محله كما أنه نعت له في قراءة الجر باعتبار لفظه.
قال في "الأسئلة المقحمة" : أي : حجة فيها على المعتزلة الجواب أنه تعالى أخبر بأن لا خالق غيره وهم يقولون : نحن نخلق أفعالنا وقوله من صلة وذلك يقتضي غاية النفي والانتفاء ﴿يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِ﴾ أي : المطر من السماء والنبات من الأرض وهو كلام مبتدأ لا محل له من الإعراب ولا مساغ لكونه صفة أخرى لخالق لأن معناه نفي وجود خالق موصوف بوصفي المغايرة والرازقية معاً من غير تعرق لنفي وجود ما اتصف به المغايرة فقط ولا لكونه خبراً للمبتدأ لأن معناه نفي رازقية خالق مغاير له من غير تعرض لنفي وجوده رأساً مع أنه المراد حتماً وفائدة هذا التعريف أنه إذا عرف أنه لا رازق غيره لم يعلق قلبه بأحد في طلب شيء ولا يتذلل للإنفاق لمخلوق وكما لا يرى رزقه من مخلوق لا يراه من نفسه أيضاً فيتخلص من ظلمات تدبيره واحتياله وتوهم شيء من أمثاله وأشكاله ويستريح بشهود تقديره.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
قال شيخي وسندي روّح الله روحه من بعض تعليقاته يا مهموماً بنفسه كنت من كنت لو ألقيتها إلينا وأسقطت تدبيرها وتركت تدبيرك لها واكتفيت بتدبيرنا لها من غير منازعة في تدبيرنا لها لاسترحت جعلنا الله وإياكم هكذا بفضله آمين ﴿لا إله إِلا هُوَ﴾ وإذا تبين تفرده تعالى بالألوهية والخالقية والرازقية ﴿فَأَنَّى﴾ فمن أي : وجه ﴿تُؤْفَكُونَ﴾ تصرفون عن التوحيد إلى الشرك وعن عبادته إلى عبادة الأوثان فالفاء لترتيب إنكار عدولهم عن الحق إلى الباطل على ما قبلها.
﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الامُورُ * يا اأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّا فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾.
﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ﴾ أي : وإن استمر المشركون على أن يكذبوك يا محمد فيما بلغت إليهم فلا تحزن واصبر ﴿فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ﴾ أولوا شأن خطير وذووا عدد كثير ﴿مِّن قَبْلِكَ﴾ فصبروا وظفروا ﴿وَإِلَى اللَّهِ﴾ لا إلى غيره ﴿تُرْجَعُ الامُورُ﴾ من الرجع وهو الرد أي : ترد إليه عواقبها فيجازي كل صابر على صبره وكل مكذب على تكذيبه.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلّم وأولياء أمته وتسهيل الصبر على الأذية إذا علم أن الأنبياء عليهم السلام استقبلهم مثل ما استقبله وأنهم لما صبروا كفاهم علم أنه يكفيه بسلوك
٣١٧