سبيلهم والاقتداء بهم وليعلم أرباب القلوب أن حالهم مع الأجانب من هذه الطريقة كأحوال الأنبياء مع السفهاء من أممهم وأنهم لا يقبلون منهم إلا القليل من أهل الإرادة وقد كان أهل الحقائق أبداً منهم في مقاساة الأذية ولا يتخلصون إلا بستر حالهم عنهم والعوام أقرب إلى هذه الطريقة من القراء المتقشفين والعلماء الذين هم لهذه الأصول منكرون وإقرار المقرين وإنكار المنكرين ليس يرجع إليهم بل يرجع إلى تقدير عليم حكيم يعلم المبدأ والمعاد ويدبر على وفق إرادته الأحوال.
فعلى العاقل أن يختار طريق العشق والإقرار وإن كان فيه الأذى والملامة ويجتنب عن طريق النفي والإنكار وإن كان فيه الراحة والسلامة فإن ذرة من العشق خير للعاشقين من كثير من أعمال العابدين قال الحافظ :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
هرند غرق بحر كناهم ز صد جهت
كر آشناى عشق شوم غرق رحمتم
وطريق العشق هو التوحيد وإثبات الهوية بالتفريد كما قال :﴿لا إله إِلا هُوَ﴾ وهو كناية عن موجود غائب والغائب عن الحواس الموجود في الأزل هو الله تعالى وهو ذكر كل من المبتدى والمنتهى أما المبتدي ففي حقه غيبة لأنه من أهل الحجاب وأما المنتهى ففي حقه حضور لأنه من أهل الكشف فلا يشاهد إلا الهوية المطلقة وهو مركب في الحس من حرفين وهما :"ه و" وفي العقل من حرفين أيضاً وهما "اى" فكانت حروفه في الحس والعقل أربعة لتدل على الإحاطة التربيعية التي هي إحاطة هو الأول : والآخر والظاهر والباطن ولما كانت الأولية والآخروية اعتبارين عقليين دل عليهما بالألف والياء ولما كانت الظاهرية والباطنية اعتبارين حسيين دل عليهما بالهاء والواو فألف هو غيب في هائه وياؤه غيب في واوه.
واعلم أن الذكر خير من الجهاد فإن ثواب الغزو والشهادة في سبيل الله حصول الجنة والذاكر جليس الحق تعالى كما قال :"أنا جليس من ذكرني" وشهود الحق أفضل من حصول الجنة ولذلك كانت الرؤية بعد حصول الجنة وشرط الذكر الحضور بالقلب والروح وجميع القوى.
حضور قلب ببايدكه حق شود مشهود
وكرنه ذكر مجرد نمى دهد يك سود
يا اأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} بالبعث والجزاء ﴿حَقٌّ﴾ ثابت لا محالة لا خلف فيه.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن كل ما وعد به الله من الثواب والعقاب والدرجات في الجنة والدركات في النار والقربات في أعلى عليين وفي مقعد صدق عند مليك مقتدر والبعد إلى أسفل سافلين حق فإذا علم ذلك استعد للموت قبل نزول الموت ولم يهتم للرزق ولم يتهم الرب في كفاية الشغل ونشط في استكثار الطاعة ورضي بالمقسوم ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا﴾ بأن يذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة والسعي لها وتقطعكم زينتها وشهواتها عن الرياضات والمجاهدات وترك الأوطان ومفارقة الإخوان في طريق الطلب والمراد نهيهم عن الاغترار بها وإن توجه النهي صورة إليها.
وفي بعض الآثار "يا ابن آدم لا يغرنك طول المهلة فإنما يعجل بالأخذ من يخاف الفوت".
وعن العلاء بن زياد رأيت الدنيا في منامي قبيحة عمشاء ضعيفة عليها من كل زينة فقلت : من أنت أعوذ بالله منك فقالت : أنا الدنيا فإن سرك أن يعيذك الله مني فابغض الدراهم يعني لا تمسكها عن النفقة في موضع الحق وفي الحديث :
٣١٨
"الدنيا غنيمة الأكياس وغفلة الجهال" وذلك لأن الأكياس يزرعون في مزرعة الدنيا أنواع الطاعات فيغتنمون بها يوم الحصاد بخلاف من جهل أن الدنيا مزرعة الآخرة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
نكه دار فرصت كه عالم دميست
دمى يش دانا به از عالميست
دل اندر دلارام دنيا مبند
كه ننشست باكس كه دل برنكند
﴿وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ﴾ وكرمه وعفوه وسعة رحمته ﴿الْغَرُورُ﴾ فعول صيغة مبالغة كالشكور والصيور وسمي به الشيطان لأنه لا نهاية لغروره، بالفارسية :(فريفتن).
وفي "المفردات" الغرور كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين وبالدنيا لما قيل الدنيا تغر وتضر وتمر.
والمعنى ولا يغرنكم بالله الشيطان المبالغ في الغرور بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعاصي قائلاً اعملوا ما شئتم إن الله غفور يغفر الذنوب جميعاً وأنه غني عن عبادتكم وتعذيبكم فإن ذلك وإن أمكن لكن تناول الذنوب بهذا التوقع من قبيل تناول السم اعتماداً على دفع الطبيعة فالله تعالى وإن كان أكرم الأكرمين مع أهل الكرم لكنه شديد العقاب مع أهل العذاب (بزركان فرموده اندكه يكى مصائد ابليس تسويفست در توبه يعني توبه بنده را در تأخير افكند كه فرصت باقيست عشرت نقد از دست مده) :
امشب همه شب يار ومى وشاهد باش
ون روز شود توبه كن وزاهد باش
(عاقل بايدكه بدين فريب ازراه نرود وازنكته "الفرصة تمر مر السحاب" غافل نكردد).
عذر فاردا فكندى عمر فرداراكه ديد†