يا اأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّا فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَـانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَه لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَـابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.
﴿إِنَّ الشَّيْطَـانَ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ عداوة قديمة بما فعل بأبيكم ما فعل لا تكاد تزول وتقديم لكم للاهتمام به ﴿فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ بمخالفتكم له في عقائدكم وأفعالكم وكونكم على حذر منه في جميع أحوالكم (از بزركى رسيدندكه كونه شيطانرا دشمان كيريم كفت از ى آرزو مرويد ومتابع هواى نفس مشويد وهره كنيد بايدكه موافق شرع ومخالف طبع بود) فلا تكفي العداوة باللسان فقط بل يجب أن تكون بالقلب والجوارح جميعاً ولا يقوى المرء على عداوته إلا بملازمة الذكر ودوام الاستعانة بالرب فإن من هجم عليه كلاب الراعي يشكل عليه دفعها إلا أن ينادي الراعي فإنه يطردها بكلمة منه ﴿إِنَّمَا يَدْعُوا﴾ الشيطان ﴿حِزْبَهُ﴾ جماعته واتباعه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
قال في "التأويلات" : حزبه المعرضون عن الله المشتغلون بغير الله ﴿لِيَكُونُوا﴾ أي : حزبه ﴿مِنْ أَصْحَـابِ السَّعِيرِ﴾ يعني :(جزاين نيست كه مى خواند شيطان باتباع هوى وميل بدنيا كروه خودرا يعني ى روان وفرمان بردارنرا تا باشند در آخرت با آواز ياران آتش يعني ملازمان دوزخ).
قال في "الإرشاد" : تقرير لعداوته وتحذير من طاعته بالتنبيه على أن غرضه في دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى ملاذ الدنيا ليس تحصيل مطالبهم ومنافعهم الدنيوية كما هو مقصد المتحابين في الدنيا عند سعي بعضهم في حاجة بعض بل هو توريطهم وإلقاؤهم في العذاب المخلد من حيث لا يحتسبون.
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي : ثبتوا على الكفر بما وجب به الإيمان وأصروا عليه ﴿لَهُمْ﴾ بسبب كفرهم وإجابتهم لدعوة الشيطان
٣١٩
﴿عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ معجل ومؤجل.
فمعجله تفرقة قلوبهم وانسداد بصائرهم وخساسة همتهم حتى أنهم يرضون بأن يكون معبودهم الأصنام والهوى والدنيا والشيطان.
ومؤجله عذاب الآخرة وهو مما لا تخفى شدته وصعوبته ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ ثبتوا على الإيمان واليقين ﴿وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ أي : الطاعات الخالصةتحصيلاً لزيادة نور الإيمان ﴿لَهُمْ﴾ بسبب إيمانهم وعملهم الصالح الذي من جملته عداوة الشيطان ﴿مَّغْفِرَةٌ﴾ عظيمة وهي في المعجل ستر ذنوبهم ولولا ذلك لافتضحوا وفي المؤجل محوها من ديوانهم ولولا ذلك لهلكوا ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ لا غاية له وهو اليوم سهولة العبادة ودوام المعرفة وما يناله في قلبه من زوائد اليقين وخصائص الأحوال وأنواع المواهب وفي الآخرة تحقيق المسؤول ونيل ما فوق المأمول.
قيل : مثل الصالحين وما زينهم الله به دون غيرهم مثل جند قال لهم الملك : تزينوا للعرض عليّ غداً فمن كانت زينته أحسن كانت منزلته عندي أرفع ثم يرسل الملك في السر بزينة عنده ليس عند الجند مثلها إلى خواص مملكته وأهل محبته فإذا تزينوا بزينة الملك فخروا على سائر الجند عند العرض على الملك فالله تعالى وفقهم للأعمال الصالحة وزينهم بالطاعات الخالصة وحلاهم بالتوجهات الصافية بتوفيقه الخاص قصداً إلى الاصطفاء والاختصاص فميزهم بها في الدنيا عن سائرهم وبأجورها العظيمة في الآخرة لمفاخرهم فليحمد الله كثيراً من استخدمه الله واستعمله في طريق طاعته وعبادته فإن طريق الخدمة قلّ من يسلكه خصوصاً في هذا الزمان وسبيل العشق ندر من يشرع فيها من الإخوان، قال الحافظ :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
نشان اهل خدا عاشقيست باخود دار
كه در مشايخ شهر اين نشان نمى بينم
ولله عباد لهم قلوب الهموم عمارتها والأحزان أوطانها والعشق والمحبة قصورها وبروجها.
أحبك حبين حب الهوى
وحباً لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى
فذكر شغلت به عن سواكا
وأما الذي أنت أهل له
فكشفك للحجب حتى أراكا
لا حمد في ذا ولا ذاك لي
ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
نسأل الله سبحانه أن يعمر قلوبنا بأنواع العمارات ويزين بيوت بواطننا بأصناف الإرادات ويحشرنا مع خواص عباده الذين لهم أجر كبير وثواب جزيل ويشرفنا بمطالعة أنوار وجهه الجميل إنه الرجو في الأول والآخر والباطن والظاهر.