﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * أَفَمَن زُيِّنَ لَه سُواءُ عَمَلِه فَرَءَاهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُا فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُا بِمَا يَصْنَعُونَ * وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَـاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَـاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ﴾ (التزيين : آراستن) ﴿سُواءُ عَمَلِهِ﴾ أي : قبيح عمله بالفارسية (زشت وبد) ﴿فَرَءَاهُ حَسَنًا﴾ فظنه جميلاً لأن رأى إذا عدّى إلى مفعولين اقتضى معنى الظن والعلم والمعنى أبعد تباين عاقبتي الفريقين يكون من زين له الكفر من جهة الشيطان فانهمك فيه كمن استقبحه واجتنبه واختار الإيمان والعمل الصالح أي : لا يكون فحذف ما حذف لدلالة ما سبق عليه ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ﴾ إلى آخره تقرير له وتحقيق للحق ببيان أن الكل بمشيئة الله تعالى أي : فإنه تعالى يضل ﴿مَن يَشَآءُ﴾ أن يضله لاستحسانه الضلال وصرف اختياره إليه فيرده إلى أسفل سافلين ﴿وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ﴾ أن يهديه لصرف اختياره إلى الهدى فيرفعه إلى أعلى عليين
٣٢٠
﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ الفاء للسببية فإن ما سبق سبب للنهي عن التحسر.
والذهاب المضيّ وذهاب النفس كناية عن الموت.
والحسرة شدة الحزن على ما فات والندم عليه كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه وقوله : حسرات مفعول له والجمع للدلالة على تضاعف اغتمامه عليه السلام على أحوالهم أو على كثرة قبائح أعمالهم الموجبة للتأسف والتحسر وعليهم صلة تذهب كما يقال هلك عليه حباً ومات عليه حزناً ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته والمعنى إذا عرفت أن الكل بمشيئة الله فلا تهلك نفسك للحسرات على غيهم وإصرارهم والغموم على تكذيبهم وإنكارهم، وبالفارسية :(س بايدكه نرود جان تو يعني هلاك نشود براى حسرتهاى متوالى كه مى خورى وتأسفهاى كونا كون كه دارى برفعلهاى ناخوش ايشان كه هريك مقتضى حسرت است) فقد بذلت لهم النصح وخرجت عن عهدة التبليغ فلا مشقة لك من بعد وإنما المشقة عليهم في الدنيا والآخرة لأنهم سقطوا عن عينك ومن سقط عن عينك فقد سقط عن عين الله فلا يوجد أحد يرحمه ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ﴾ بليغ العلم ﴿بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ يفعلون من القبائح فيجازيهم عليها جزاء قبيحاً فإنهم وإن استحسنوا القبائح لقصور نظرهم فالقبيح لا يكون حسناً أبداً.
واعلم أن الكافر يتوهم أن عمله حسن كما قال تعالى :﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (الكهف : ١٠٤) ثم الراغب في الدنيا يجمع حلالها وحرامها ولا يتفكر في زوالها ولا في ارتحاله عنها قبل كمالها فقد زين له سوء عمله.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
شد قواى جمله اجزاى جسمت درفنا
باهزاران آرزو دست وكريبانى هنوز
ثم الذي يتوهم أنه إذا وجد نجاته ودرجاته في الجنة فقد استراح واكتفى فقد زين له سوء عمله حيث تغافل عن حلاوة مناجاة ربه فإنها فوق نعيم الجنان.
ما ييم وهمين عاشقي ولذت ديدار
زاهد تو برو در طلب خلد برين باش
فمن زين له الدنيا بشهواتها ليس كمن زين له العقبى بدرجاتها ومن زين له نعيم العقبى ليس كمن زين له جمال المولى أي : لا يستوي هذا وذاك فاصرف إلى الأشهى هواك والله تعالى هو مبدأ كل حسن فمن وصل إليه حسن بحسن ذاته وصفاته وأفعاله وأعماله ومن وجده وجد كل شيء ومن لم يجده لم يجد شيئاً وإن وجد الدنيا كلها (نقلست كه ابراهيم بن أدهم قدس سره روزى برلب دجله نشسته بود خرقه مى دوخت سوزنش بدريا افتد يكى ازو رسيد كه ملك نان از دست دادى ه يافتى اشارت بدريا كرد كه سوزنم بدهيد قرب هزار ما هى ازدريا بر آمدند هر يكى سوزن زرين برلب كرفته كفت سوزن من خواهم ما هيكه ضعيف بر آمد وسوزن او آورد بستد وكفت كمترين يزى كه يافتم اين است باقى تو ندانى) فهذا من ثمرات الهداية الخاصة ونتائج النيات الخالصة والأعمال الصالحة وحسن الحال مع الله تعالى ولا يحصل إلا لمن أخذ الأمر من طريقه فأصلح الطبيعة في مرتبة الشريعة والنفس في مرتبة الطريقة وحسن ما حسنه الشرع والعقل السليم وقبح ما قبحه كل منهما فأما أصحاب الأهواء والبدع فقد زين لهم سوء أعمالهم
٣٢١
ونياتهم من جهة الشيطان فضلوا طريق الهدى والسنة نسأل الله سبحانه أن يجعلنا على صراطه المستقيم الذي سلكه أهل الدين القويم ويهدينا إلى الأعمال الحسنة ويحلينا بالأخلاق المستحسنة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١


الصفحة التالية
Icon