والثاني : أنه للعمل فإنه يحقق الإيمان ويقويه ولا ينال الدرجات العالية إلا به كما في "الإرشاد".
وقال الشيخ : التوحيد إنما قبل بسبب الطاعة إذ هو مع العصيان لا ينفع أي : لا يمنع العقاب والأولى ما في "الإرشاد" فإن الأعمال كالمراقي وقول بلا عمل كثريد بلا دسم وسحاب بلا مطر وقوس بلا وتر.
وقال الكاشفي في الآية :(وعمل شايسته برميدارد آنرا وبمحل قبول ميرساند ه مجرد قول بي عمل صالح كه اخلاصست نافع نيست.
يا كلم طيب دعاست وعمل صالح صدقه مساكين ودرغالب اجابت دعوات بتصدقاتست.
يا كلم طيب دعاى ائمه است وعمل تأمين جماعيتان.
يا كلم تكبير غزاست وعمل شمشير زدن.
يا كلم استغفاراست وعمل ندم ودرين همه صور بردارنده كلمه عمل است).
والثالث أنهتعالى يعني يتقبله.
قال ابن عطية : وهذا أرجح الأقوال وتخصيص العمل بهذا الشرف على هذا الوجه لما فيه من الكلفة.
وقال في "حل الرموز" : قالوا : كلمة "لا إله إلا الله
٣٢٤
محمد رسول الله" تصعد إلى الله بنفسها وغيرها من الأذكار والأعمال ترفعها الملائكة كما قال تعالى :﴿وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ أي : يرفعه الحق ويقبله على أيدي الملائكة من الحفظة والسفرة وقد روي أن دعوة اليتيم وكذا دعوة المظلوم تصعد إلى الله بنفسها أي : من غير ملائكة.
وفيه معنى آخر وهو أن يرفعه بمعنى يجعله ذا قدر وقيمة مثل ثوب رفيع ومرتفع يعني :(قدر ومرتبه او رفيع سازد مراد عمل موحد مخلص است كه هي يزى بقيمت آن نيست وكاريرا كه بآن آميخته باشد ازهمه يزى خوارتر وبى مقدار تراست) :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
كرت بيخ اخلاص در يوم نيست
ازين در كسى ون تو محروم نيست
زر قلب آلوده بى قيمت است
زريرا كه خالص بود حرمت است
وفي "التأويلات النجمية" : بقوله :﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ﴾ يشير إلى أن الإنسان خلق ذليلاً مهيناً محتاجاً إلى كل شيء ولا يحتاج شيء إلى شيء كاحتياج الإنسان إلى الأشياء كلها ولا يحتاج إلى كل شيء إلا الإنسان والذلة قرين الحاجة فمن ازدادت حاجته ازدادت مذلته ﴿فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ لعدم احتياجه وكل شيء ذليل له لاحتياجه إليه فكلما كان احتياج الإنسان كاملاً كان ذله كاملاً فقال تعالى :﴿كَمَن كَانَ﴾ إلى آخره أي : لا يطلب العزة من غير الله لأنه ذليل أيضاًفبقدر قطع النظر عن الأشياء وطلب العزة منها تنقص ذلة العبد وتزيد عزته إلى أن لا يبقى له الاحتياج إلى غير الله ولا يزول الاحتياج والافتقار إلى غير الله من القلوب إلا بنفي لا إله وإثبات إلا الله فبالنفي تنقطع تعلقاته عن الكونين وبالاثبات يتوجه بالكلمة إلى الحق تعالى فإذا لم يبق له تعلق ترجع حقيقة الكلمة إلى الحضرة كما أن النار تستنزل من الفلك الأثير باصطكاك الحجر والحديد ثم يوقد بها شجرة فالنار تأكل الشجرة وتفنيها من الحطبية وتبقيها بالنارية إلى أن تفنى الشجرة بالكلية فلما لم يبق من وجود الحطب شيء ترجع النار إلى الأثير وهذا سرّ قول الله ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ والعمل الصالح هو أركان الشريعة فأول ركن منها كمال استنزال نار نور الله من أثير الحضرة باصطكاك حديد "لا إله إلا الله" وحجر القلب القاسي فلما وقعت النار في شجرة الوجود الإنساني عمل العبد بركن من الأركان الخمسة التي بنى الإسلام عليها والأركان الأربعة الباقية هي العمل الصالح الذي يقلع أصل الشجرة من أرض الدنيا ويقطعها قطعاً تستعد به لقبولها النار واشتعالها بالنار واحتراقها بها لتقع النار إلى أن تحترق الشجرة بالكلية وترفع بالعبور عن الشجرة إلى أثير الحضرة ولما كانت الشجرة مشتعلة بتلك النار آنس موسى عليه السلام من جانب الطور ناراً فلما أتاها نودي من شاطىء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة على لسان الشعلة ﴿إِنِّى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَـالَمِينَ﴾ (القصص : ٣٠) تأمله تفهم إن شاء الله تعالى
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة.
وفي "القاموس" : المكر الخديعة وهذا بيان لحال الكلم الخبيث والعمل السيء وأهلهما بعد بيان حال الكلم الطيب والعمل الصالح وانتصاب السيآت على أنها صفة للمصدر المحذوف فإن يمكر لازم لا ينصب المفعول به أي : يمكرون المكرات السيآت وهي مكرات قريش بالنبي عليه السلام في دار الندوة وتدارؤهم الرأي في إحدى الثلاث التي هي
٣٢٥


الصفحة التالية
Icon