الإثبات والقتل والإخراج كما حكى الله عنهم في سورة الأنفال بقوله :﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ (الأنفال : ٣٠) ﴿لَهُمْ﴾ بسبب مكراتهم ﴿عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ في الدنيا والآخرة لا يدرك غايته ولا يبالي عنده بما يمكرون به ﴿وَمَكْرُ أُولَئكَ﴾ المفسدين الذين أرادوا أن يمكروا به عليه السلام.
وضع اسم الإشارة موضع ضميرهم للإيذان بكمال تميزهم بما هم فيه من الشر والفساد عن سائر المفسدين واشتهارهم بذلك ﴿هُوَ﴾ خاصة دون مكر الله بهم.
وفي "الإرشاد" لا من مكروا به ﴿يَبُورُ﴾ يهلك ويفسد فإن البوار فرط الكساد ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد كما قيل كسد حتى فسد عبر بالبوار عن الهلاك والفساد ولقد أبارهم الله تعالى إبارة بعد إبارة مكراتهم حيث أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم الثلاث التي اكتفوا في حقه عليه السلام بواحدة منهن قل كل يعمل على شاكلته.
فللمكر السيء قوم أشقياء غاية أمرهم الهلاك وللكلم الطيب والعمل الصالح قوم سعداء نهاية شأنهم النجاة.
قال مجاهد وشهر بن حوشب : المراد بالآية أصحاب الرياء.
وفي "التأويلات النجمية" : بقوله :﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ يشير إلى الذين يظهرون الحسنات بالمكر ويخفون السيآت من العقائد الفاسدة ليحسبهم الخلق من الصالحين الصادقين ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ وشدة عذابهم في تضعيف عذابهم فإنهم يعذبون بالسيآت التي يخفونها ويضاعف لهم العذاب بمكرهم في إظهار الحسنات دون حقيقتها كما قال تعالى :﴿وَمَكْرُ أولئك هُوَ يَبُورُ﴾ أي : مكرهم يبوّرهم ويهلكهم انتهى وإنما تظهر الكرامات بصدق المعاملات.
قال أبو يزيد البسطامي قدس سره :(كفت شبى خانه بوشن كشت كفتم اكرشيطانست من ازان عزيز ترم وبلندهمت كه اورا در من طمع افتد واكر از نزديك تست بكذار تا ازسراى خدمت بسراى كرامت رسم) فالخدمة في طريق الحق بالخلوص وسيلة إلى ظهور الأنوار وانكشاف الأسرار.
وقد قيل : ليس الإيمان بالتمني يعني لا بد للتصديق من مقارنة العمل ولا بد لتحقيق التصديق من صدق المعاملة فمن وقع في التمني المجرد فقد اشتهى جريان السفينة في البر.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
كر همه علم عالمت باشد
بى عمل مدعى وكذابى
حفظنا الله وإياكم من ترك المحافظة على الشرائع والأحكام وشرفنا بمراعاة الحدود والآداب في كل فعل وكلام إنه ميسر كل مراد ومرام.
﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ﴾ دليل آخر على صحة البعث والنشور أي : خلقكم ابتداء من التراب في ضمن خلق آدم خلقاً إجمالياً لتكونوا متواضعين كالتراب.
وفي الحديث "إن الله جعل الأرض ذلولاً تمشون في مناكبها وخلق بني آدم من التراب ليذلهم بذلك فأبوا إلا نخوة واستكباراً ولن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر".
وقال بعضهم من تراب تقبرون وتدفنون فيه.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنكم أبعد شيء من المخلوقات إلى الحضرة لأن التراب أسفل المخلوقات وكثيفها فإن فوقه ماء وهو ألطف منه وفوق الماء هواء وهو ألطف منه وفوق الهواء أثير وهو ألطف من الهواء وفوق الأثير السماء وهي ألطف من الأثير ولكن لا تشبه
٣٢٦
لطافة السماء بلطافة ما تحتها من العناصر لأن لطافة العناصر من لطافة الأجسام ولطافة السموات من لطافة الأجرام.
فالفرق بينهما أن لطافة الأجسام تقبل الخرق والالتئام ولطافة السموات لا تقبل الخرق والالتئام وفوق كل سماء سماء هي ألطف منها إلى الكرسي وهو ألطف من السموات وفوقه العرش وهو ألطف من الكرسي وفوقه عالم الأرواح وهو ألطف من العرش ولكن لا تشبه لطافة الأرواح بلطافة العرش والسموات لأنها لطافة الأجرام فالفرق بينهما أن لطافة الأجرام قابلة للجهات الست ولطافة الأرواح غير قابلة للجهات وفوق الأرواح هو الله القاهر فوق عباده وهو ألطف من الأرواح ولكن لطافته لا تشبه لطافة الأرواح لأن لطافة الأرواح نورانية علوية محيطة بما دونها إحاطة العلم بالمعلوم والله تعالى فوق كل شيء وهو منزه عن هذه الأوصاف ليس كمثله شيء وهو السميع البصير العليم ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ النطفة هي الماء الصافي الخارج من بين الصلب والترائب قل أو كثر أي : ثم خلقكم من نطفة خلقاً تفصيلياً لتكونوا قابلين لكل كمال كالماء الذي هو سر الحياة ومبدأ العناصر الأربعة.
وقال بعضهم : خلقكم من تراب يعني آدم وهو أصل الخلق ثم من نطفة ذرية منه التناسل والتوالد.