وفي "التأويلات" : يشير إلى أنه خلقكم من أسفل المخلوقات وهي النطفة لأن التراب نزل دركة المركبية ثم دركة النباتية ثم دركة الحيوانية ثم دركة الإنسانية ثم دركة النطفة فهي أسفل سافلي المخلوقات وهي آخر خلق خلقه الله تعالى من أصناف المخلوقات كما أن أعلى الشجرة آخر شيء يخلقه الله هو البذر الذي يصلح أن توجد منه الشجرة فالبذر آخر صنف خلق من أصناف أجزاء الشجرة ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ أصنافاً أحمر وأبيض وأسود أو ذكراناً وإناثاً.
وعن قتادة جعل بعضكم زوجاً لبعض.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
وفي "التأويلات" : يشير إلى ازدواج الروح والقالب فالروح من أعلى مراتب القرب والقالب من أسفل دركات البعد فبكمال القدرة والحكمة جمع بين أقرب الأقربين وأبعد الأبعدين ورتب للقالب في ظاهره الحواس الخمس وفي باطنه القوى البشرية ورتب للروح المدركات الروحانية ليكون بالروح والقالب مدركاً لعوالم الغيب والشهادة كلها وعالماً بما فيها خلافة عن حضرة الربوبية عالم الغيب والشهادة :
آدمي شاه وكائنات سا
مظهر كل خليفة الله
﴿وَمَا﴾ نافية ﴿تَحْمِلُ﴾ (برنكيرد يعني ازفرزند) ﴿مِنُهُمُ اثْنَىْ﴾ (هي زنى) من مزيدة لاستغراق النفي وتأكيده والأنثى خلاف الذكر ويقالان في الأصل اعتباراً بالفرجين كما في "المفردات" ﴿وَلا تَضَعُ﴾ (وننهد آنه درشكم اوست يعني نزايد) ﴿إِلا﴾ حال كونها ملتبسة ﴿بِعِلْمِهِ﴾ تابعة لمشيئته.
قال في "بحر العلوم" : بعلمه في موضع الحال والمعنى ما يحدث شيء من حمل حامل ولا وضع واضع إلا وهو عالم به يعلم مكان الحمل ووضعه وأيامه وساعاته وأحواله من الخداج والتمام والذكورة والأنوثة وغير ذلك ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ﴾ ما نافية (والتعمير : عمر دادن) والمعمر من أطيل عمره ويقال للمعمر ابن الليالي.
وقوله من معمر أي : من أحد ومن زائدة لتأكيد النفي كما في من أنثى وإنما سمي معمراً باعتبار مصيره يعني هو من باب
٣٢٧
تسمية الشيء بما يأول إليه والمعنى وما يمد في عمر أحد وما يطول وبالفارسية :(وزندكانى داده نشود هي درازى عمرى) ﴿وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ العمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قرأه من عمره بجزم الميم وهما لغتان مثل نكر ونكر والضمير راجع إلى المعمر والنقصان من عمر المعمر محال فهو من التسامح في العبارة ثقة بفهم السامع فيراد من ضمير المعمر ما من شأنه أن يعمر على الاستخدام والمعنى لا ينقص من عمر أحد لكن لا على معنى لا ينقص من عمره بعد كونه زائداً بل على معنى لا يجعل من الابتداء ناقصاً وبالفارسية :(وكم كرده نشود از عمر معمرى ديكر يعني كه يعمر معمر اول نرسد) ﴿إِلا فِى كِتَـابٍ﴾ أي : اللوح أو علم الله أو صحيفة كل إنسان ﴿إِنَّ ذَالِكَ﴾ المذكور من الخلق وما بعده مع كونه محاراً للعقول والأفهام ﴿عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ لاستغنائه على الأسباب فكذلك البعث.
وفي "بحر العلوم" : إن ذلك إشارة إلى أن الزيادة والنقص على الله يسير لا يمنعه منه مانع ولا يحتاج فيه إلى أحد.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
واعلم أن الزيادة والنقصان في الآية بالنسبة إلى عمرين كما عرفت وإلا فمذهب أكثر المتكلمين وعليه الجمهور أن العمر يعني عمر شخص واحد لا يزيد ولا ينقص.
وقيل : الزيادة والنقص في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة أثبتت في اللوح مثل أن يكتب فيه إن حج فلان فعمره ستون وإلا فأربعون فإذا حج فقد بلغ الستين وقد عمر وإذا لم يحج فلا يجاوز الأربعين فقد نقص من عمره الذي هو الغاية وهو الستون وكذا إن تصدق أو وصل الرحم فعمره ثمانون وإلا فخمسون وإليه أشار عليه السلام بقوله :"الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان في الأعمار" وفي الحديث "إن المرء ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فينسئه الله إلى ثلاثين سنة وإنه ليقطع الرحم وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيرده الله إلى ثلاثة أيام" وفي الحديث "بر الوالدين يزيد في العمر والكذب ينقص الرزق والدعاء يرد القضاء".
قال بعض الكبار : لم يختلف أحد من علماء الإسلام في أن حكم القضاء والقدر شامل لكل شيء ومنسحب على جميع الموجودات ولوازمها من الصفات والأفعال والأحوال وغير ذلك.
فما الفرق بين ما نهى النبي عليه السلام عن الدعاء فيه كالأرزاق المقسومة والآجال المضروبة وبين ما حرّض عليه كطلب الإجارة من عذاب النار وعذاب القبر ونحو ذلك.