فاعلم أن المقدورات على ضربين : ضرب يختص بالكليات وضرب يختص بالجزئيات التفصيلية فالكليات المختصة بالإنسان قد أخبر عليه السلام أنها محصورة في أربعة أشياء وهي : العمر والرزق والأجل والسعادة أو الشقاوة وهي لا تقبل التغير فالدعاء فيها لا يفيد كصلة الرحم إلا بطريق الفرض يعني لو أمكن أن يبسط في الرزق ويؤخر في الأجل لكان ذلك بالصلة والصدقة فإن لهما تأثيراً عظيماً ومزاية على غيرهما ويجوز فرض المحال إذا تعلق بذلك الحكمة قال تعالى :﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـانِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَـابِدِينَ﴾ وأما الجزئيات ولوازمها التفصيلية فقد يكون ظهور بعضها وحصوله للإنسان متوقفاً على أسباب وشروط ربما كان الدعاء والكسب والسعي والعمل من جملتها بمعنى لم يقدّر حصوله بدون الشرط أو الشروط.
وقال ابن الكمال : أما الذي يقتضيه النظر الدقيق فهو أن المعمر الذي قدر له العمر الطويل يجوز أن يبلغ حد ذلك العمر وأن لا يبلغه
٣٢٨
فيزيد عمره على الأول وينقص على الثاني ومع ذلك لا يلزم التغيير وذلك لأن المقدر لكل شخص إنما هو الأنفاس المعدودة لا الأيام المحدودة والأعوام المعدودة ولا خفاء في أن أيام ما قدر من الأنفاس تزيد وتنقص بالصحة والحضور والمرض والتعب فافهم هذا السر العجيب حتى ينكشف لك سر اختيار بعض الطوائف حبس النفس ويتضح وجه كون الصدقة والصلة سبباً لزيادة العمر انتهى.
وقيل المراد من النقص ما يمر من عمره وينقص فإنه يكتب في الصحيفة عمره كذا وكذا سنة ثم يكتب تحت ذلك ذهب يوم ذهب يومان وهكذا حتى يأتي على آخره كما قال ابن عباس رضي الله عنهما إن الله تعالى جعل لكل نسمة عمراً تنتهي إليه فإذا جرى عليه الليل والنهار نقص من عمره بالضرورة وقد قيل : نقصان العمر صرفه إلى غير مرضاة الله تعالى قال الحافظ قدس سره :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ
كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
وقال :
اوقات خوش آن بودكه بادوست بسر رفت
باقي همه بى حاصلي وبي خبري بود
وقال المولى الجامي قدس سره :
هردم از عمر كرامي هست كنج بى بدل
ميرود كنج نين هر لحظه برباد آه آه
وقال الشيخ سعدي قدس سره :
هردم از عمر ميرود نفسي
ون نكه ميكنم نمانده بسى
عمر برفست وآفتاب تموز
اندكه ماندو خواجه غره هنوز
أيقظنا الله وإياكم.
﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِه وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِه إِلا فِى كِتَـابٍا إِنَّ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ هَـاذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآاـاِغٌ شَرَابُه وَهَـاذَا مِلْحٌ أُجَاجٌا وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لاجَلٍ مُّسَمًّى ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُا وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِه مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
﴿وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ﴾ أصل البحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير ويقال للمتوسع في العلم بحر.
وفي "القاموس" البحر الماء الكثير عذباً أو ملحاً.
وقال بعضهم : البحر في الأصل يقال للملح دون العذب فقوله : وما يستوي البحران الخ إنما سمي العذب بحراً لكونه مع الملح كما يقال للشمس والقمر قمران.
قال في إخوان الصفا : فإن قيل ما البحار؟ يقال هي مستنقعات على وجه الأرض حاصرة للمياه المجتمعة فيها ﴿هَـاذَا﴾ البحر ﴿عَذْبٌ﴾ طيب بالفارسية (شيرين) ﴿فُرَاتٌ﴾ بليغ عذوبته بحيث يكسر العطش.
وقال في "تاج المصادر" :(الفروتة : خوش شدن آب) والنعت فعال ويقال للواحد والجمع ﴿سَآاـاِغٌ شَرَابُهُ﴾ سهل انحدار مائه في الحلق لعذوبته فإن العذب لكونه ملائماً للطمع تجذبه القوة الجاذبة لسهول.
والسائغ بالفارسية (كوارنده) يقال ساغ الشراب سهل مدخله والشراب ما شرب والمراد هنا الماء ﴿وَهَـاذَا﴾ البحر الآخر ﴿مِلْحٌ﴾ (تلخست).
قال في "المفردات" : الملح الماء الذي تغير طعمه التغير المعروف وتجمد ويقال له ملح إذا تغير طعمه وإن لم يتجمد فيقال ماء ملح وقلما تقول العرب مالح ثم استعير من لفظ الملح الملاحة فقيل : رجل مليح ﴿أُجَاجٌ﴾ شديد ملوحته بحيث يحرق بملوحته وهو نقيض الفرات.
قال في "خريدة العجائب" : الحكمة في كون ماء البحر ملحاً أجاجاً لا يذاق ولا يساغ لئلا ينتن من تقادم الدهور والأزمان وعلى ممرّ الأحقاب والأحيان فيهلك من نتنه العالم الأرضي ولو كان عذباً
٣٢٩


الصفحة التالية
Icon