لكان كذلك ألا ترى إلى العين التي بها ينظر الأنسان الأرض والسماء والعالم والألوان وهي شحمة مغمورة في الدمع وهو ماء مالح والشحم لا يصان إلا بالملح فكان الدمع مالحاً لذلك المعنى انتهى.
وأما الأنهار العظيمة العذبة فلجريانها دائماً لم يتغير طعمها ورائحتها فإن التغير إنما يحصل من الوقوف في مكان ﴿وَمِن كُلٍّ﴾ أي : من كل واحد من البحرين المختلفين طعماً ﴿تَأْكُلُونَ﴾ أيها الناس ﴿لَحْمًا طَرِيًّا﴾ غضاً جديداً من الطراء (والطراوة بالفارسية : ميخوريد كوشتى تازه يعني ماهى) وصف السمك بالطراوة وهي بالفارسية :(تازه شدن) لتسارع الفساد إليه فيسارع إلى أكله طرياً ومضى باقي النقل في سورة النحل
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ﴾ أي : من المالح خاصة ولم يقل منه لأنه معلوم ﴿حِلْيَةً﴾ زينة أي : لؤلؤاً ومرجاناً.
وفي "الأسئلة المقحمة" أراد بالحلية اللآلي واللآلي إنما تخرج من ملح أجاج لا من عذب فرات فكيف أضافها إلى البحرين والجواب قد قيل : إن اللآلي تخرج من عذب فرات وفي الملح عيون من ماء عذب ينعقد فيه اللؤلؤ والمرجان انتهى قال في "الخريدة" : اللؤلؤ يتكون في بحر الهند وفارس والمرجان ينبت في البحر كالشجر وإذا كلس المرجان عقد الزئبق فمنه أبيض ومنه أحمر ومنه أسود وهو يقوي العين كحلاً وينشف رطوبتها ﴿تَلْبَسُونَهَا﴾ أي : تلبس تلك الحلية نساؤكم ولما كان تزينهن بها لأجل الرجال فكأنها زينتهم ولباسهم ولذا أسند إليهم وفي الحديث "كلم الله البحرين فقال للبحر الذي بالشام يا بحر إني قد خلقتك وأكثرت فيك من الماء وإني حامل فيك عباداً لي يسبحونني ويحمدونني ويهللونني ويكبرونني فما أنت صانع بهم؟ قال : أغرقهم قال الله تعالى فإني أحملهم على ظهرك وأجعل بأسك في نواصيك" وقال للبحر الذي باليمن "إني قد خلقتك وأكثرت فيك الماء وإني حامل فيك عباداً يسبحونني ويحمدونني ويهللونني ويكبرونني فما أنت صانع بهم؟ قال : أسبحك وأحمدك وأهللك وأكبرك معهم وأحملهم على ظهري قال الله تعالى فإني أفضلك على البحر الآخر بالحلية والطري" كذا في "كشف الأسرار" ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ﴾ السفينة ﴿فِيهِ﴾ أي : في كل منهما وأفراد ضمير الخطاب مع جمعه فيما سبق وما لحق لأن الخطاب لكل أحد يأتي منه الرؤية دون المنتفعين بالبحرين فقط ﴿مَوَاخِرَ﴾ يقال سفينة ماخرة إذا جرت تشق الماء مع صوت والجمع المواخر كما في "المفردات" والمعنى شواق للماء بجريها مقبلة ومدبرة بريح واحدة ﴿لِتَبْتَغُوا﴾ (تا طلب كنيد) واللام متعلق بمواخر ﴿مِّن فَضْلِهِ﴾ أي : من فضل الله تعالى بالنقلة فيها.
قال في "بحر العلوم" ابتغاء الفضل التجارة وهي أعظم أسباب سعة الرزق وزيادته قال عليه السلام :"تسعة أعشار رزق أمتي في البيع والشراء" ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي : ولتشكروا على ذلك الفضل وحرف الترجي للإيذان بكونه مرضياً عنده تعالى.
وفي "بحر العلوم" وكي تعرفوا نعم الله فتقوموا بحقها سيما أنه جعل المهالك سبباً لوجود المنافع وحصول المعايش.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
واعلم أن الله تعالى ذكر هذه الآية دلالة على قدرته وبياناً لنعمته.
وقال بعضهم : ضرب البحر العذب والملح مثلاً للمؤمن والكافر فكما لا يستوي البحران في الطعم فكذا المؤمن والكافر (يكى ازحلاوت ايمان عين عذب عرفانست وديكر از مرارت عصيان بحر اجاج كفر وطغيان آن آب
٣٣٠