﴿يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ﴾ أي : يدخل الله الليل في النهار بإضافة بعض أجزاء الليل إلى النهار فينقص الأول ويزيد الثاني كما في فصلي الربيع والصيف ﴿وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ﴾ بإضافة بعض أجزاء النهار إلى الليل كما في فصلي الخريف والشتاء ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ (ورام كرد آفتاب وماه راه يعني مسخر فرمان خود ساخت).
وفي "بحر العلوم" معنى تسخير الشمس والقمر تصييرهما نافعين للناس حيث يعلمون بمسيرهما عدد السنين والحساب انتهى.
يقول الفقير ومنه يعلم حكمة الإيلاج فإنه بحركة النيرين تختلف الأوقات وتظهر الفصول الأربعة التي تعلق بها المصالح والأمور المهمة.
ثم قوله وسخر عطف على يولج واختلافهما صيغة لما أن إيلاج أحد الملوين في الآخر متجدد حيناً فحيناً وأما تسخير النيرين فلا تعدد فيه وإنما المتعدد والمتجدد آثاره وقد أشير إليه بقوله تعالى :﴿كُلٍّ﴾ أي : كل واحد من الشمس والقمر ﴿يَجْرِى﴾ أي : بحسب حركته الخاصة وحركته القسرية على المدارات اليومية المتعددة حسب تعدد أيام السنة جرياً مستمراً ﴿لاجَلٍ﴾ وقت ﴿مُّسَمًّى﴾ معين قدره الله تعالى لجريانهما وهو يوم القيامة فحينئذٍ ينقطع جريهما.
وقال بعضهم يجري إلى أقصى منازلهما في الغروب لأنهما يغربان كل ليلة في موضع ثم يرجعان إلى أدنى منازلهما فجريانهما عبارة عن حركتيهما الخاصتين بهما في فلكيهما.
والأجل المسمى عبارة عن منتهى دوريتهما ومدة الجريان للشمس سنة وللقمر شهر فإذا كان آخر السنة ينتهي جري الشمس وإذا كان آخر الشهر ينتهي جري القمر.
قال في "البحر" : والمعنى في التحقيق يجري لإدراك أجل على أن الجري مختص بإدراك أجل ﴿ذَالِكُمُ﴾ مبتدأ إشارة إلى فاعل الأفاعيل المذكورة إشارة تجوّز فإن الأصل إلى الإشارة أن تكون حسية ويستحيل إحساسه تعالى وما فيه من معنى البعد للإيذان بغاية العظمة أي : ذلك العظيم الشان الذي أبدع هذه الصنائع البديعة ﴿اللَّهِ﴾ خبر ﴿رَبُّكُمْ﴾ خبر ثان ﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾ خبر ثالث أي : هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية والمالكية لما في السموات والأرض واعرفوه ووحدوه وأطيعوا أمره ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ (وآنانرا كه مى خوانيد ومى رستيد) ﴿مِن دُونِهِ﴾ أي : حال كونكم متجاوزين الله وعبادته ﴿مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ هو القشرة البيضاء الرقيقة الملتفة على النواة كاللفافة لها وهو مثل في القلة والحقارة كالنقير الذي هو النكتة في ظهر النواة ومنه ينبت النخل والفتيل الذي في شق النواة على هيئة الخيط المفتول والمعنى لا يقدرون على أن ينفعوكم مقدار القطمير.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
﴿يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لاجَلٍ مُّسَمًّى ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُا وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِه مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾.
﴿إِن تَدْعُوهُمْ﴾ أي : الأصنام للإعانة وكشف الضر
٣٣٢
﴿لا يَسْمَعُوا دُعَآءَكُمْ﴾ لأنهم جماد والجماد ليس من شأنه السماع ﴿وَلَوْ سَمِعُوا﴾ على الفرض والتمثيل ﴿مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ فإنهم لا لسان لهم أو ما أجابوكم لملتبسكم لعجزهم عن النفع بالكلية فإن من لا يملك نفع نفسه كيف يملك نفع غيره.
قال الكاشفي يعني :(قادر نيستند بر إيصال منافع ودفع مكاره) ﴿وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ أي : يجحدون بإشراككم لهم وبعبادتكم إياهم بقولهم ما كنتم إيانا تعبدون وإنما جيىء بضمير العقلاء لأن عبدتهم كانوا يصفونهم بالتمييز جهلاً وغباوة ولأنه أسند إليهم ما يسند إلى أولي العلم من الاستجابة والسمع ويجوز أن يريد كل معبود من دون الله من الجن والإنس والأصنام فغلب غير الأصنام عليها كما في "بحر العلوم" ﴿وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ أي : لا يخبرك يا محمد بالأمر مخبر مثل خبير أخبرك به وهو الحق سبحانه فإنه الخبير بكنه الأمور دون سائر المخبرين والمراد تحقيق ما أخبر به من حال آلهتهم ونفي ما يدعون لهم من الإلهية (صاحب لباب آورده كه اضافت مثل بخداى جائز نيست س اين مثليست دركلام عرب شايع كشته واستعمال كنند دراخبار مخبرى كه سخن او في نفس الأمر معتمد عليه باشد).
قال الزروقي : الخبير هو العليم بدقائق الأمور التي لا يتوصل إليها غيره إلا بالاختيار والاحتيال.
وقال الغزالي : هو الذي لا يعزب عنه الأخبار الباطنة ولا يجري في الملك والملكوت شيء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تصطرب نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبرها :
بر احوال نا بوده علمش بصير
بر اسرار ناكفته لطفش خبير
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١