﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ يقال وزر يزر من الثاني وزراً بالفتح والكسر ووزر يوزر من الرابع حمل.
والوزر الإثم والثقل والوازرة صفة للنفس المحذوفة وكذا أخرى والمعنى لا تحمل نفس آثمة يوم القيامة إثم نفس أخرى بحيث تتعرى منه المحمول عنها بل إنما تحمل كل منهما وزرها الذي اكتسبته بخلاف الحال في الدنيا فإن الجبابرة يأخذون الولي بالولي والجار بالجار وأما في قوله تعالى :﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ (العنكبوت : ١٣) من حمل المضلين أثقالهم وأثقالاً غير أثقالهم فهو حمل أثقال ضلالهم مع أثقال إضلالهم وكلاهما أوزارهم ليس فيها شيء من أوزار غيرهم ألا يرى كيف كذبهم في قولهم :﴿اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَـايَـاكُمْ﴾ (العنكبوت : ١٢) بقوله :﴿وَمَا هُم بِحَـامِلِينَ مِنْ خَطَـايَـاهُم مِّن شَىْءٍ﴾ (العنكبوت : ١٢) ومنه يعلم وجه تحميل معاصي المظلومين يوم القيامة على الظالمين فإن المحمول في الحقيقة جزاء الظلم وإن كان يحصل في الظاهر تخفيف حمل المظلوم ولا يجري إلا في الذنب المتعدي كما ذكرناه في أواخر الأنعام.
وفيه إشارة إلى أن الله تعالى في خلق كل واحد من الخلق سراً مخصوصاً به وله مع كل واحد شأن آخر فكل مطالب بما حمل كما أن كل بذر ينبت بنبات قد أودع فيه ولا يطالب بنبات بذر آخر لأنه لا يحمل إلا ما حمل عليه كما في "التأويلات النجمية"، قال الشيخ سعدي :
رطب ناورد وب خر زهره بار
ه تخم افيكنى بر همان شم دار
﴿وَإِن تَدْعُ﴾ صيغة غائبة أي : ولو دعت، وبالفارسية :(واكر بخواند) ﴿مُثْقَلَةٌ﴾ أي : نفس أثقلتها الأوزار والمفعول محذوف أي : أحداً.
قال الراغب : الثقل والخفة متقابلان وكل ما يترجح عما يوزن به أو يقدّر به يقال هو ثقيل وأصله في الأجسام ثم يقال في المعاني أثقله الغرم والوزر انتهى.
فالثقل الإثم سمي به لأنه يثقل صاحبه يوم القيامة ويثبطه عن الثواب في الدنيا ﴿إِلَى حِمْلِهَا﴾ الذي عليها من الذنوب ليحمل بعضها.
قيل في الأثقال المحمولة في الظاهر كالشيء المحمول على الظهر حمل بالكسر وفي الأثقال المحمولة في الباطن كالولد في البطن حمل بالفتح كما في "المفردات" ﴿لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ﴾ لم تجب لحمل شيء منه ﴿وَلَوْ﴾ للوصل ﴿كَانَ﴾ أي : المدعو المفهوم من الدعوة وترك ذكره ليشمل كل مدعو ﴿ذَا قُرْبَىا﴾ ذا قرابة من الداعي كالأب والأم والولد والأخ ونحو ذلك إذ لكل واحد منهم يومئذٍ شأن يغنيه وحمل يعجزه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
ففي هذا دليل أنه تعالى لا يؤاخذ بالذنب إلا جانيه وأن الاستغاثة بالأقربين غير نافعة لغير المتقين عن ابن عباس رضي الله عنهما يلقى الأب والأم ابنه فيقول يا بني احمل عني بعض ذنوبي فيقول : لا أستطيع حسبي ما عليّ وكذا يتعلق الرجل بزوجته فيقول لها : إني كنت لك زوجاً في الدنيا
٣٣٦
فيثني عليها خيراً فيقول قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترين فتقول ما أيسر ما طلبت ولكن لا أطيق إني أخاف مثل ما تخوفت :
هي رحمى نه برادر به برادر دارد
هي خيرى نه در را به سر مى آيد
دختر ازهلوى مادر بكند قصد فرار
دوستى از همه خويش بسرمى آيد


الصفحة التالية
Icon