﴿وَلا﴾ لتأكيد نفي الاستواء ﴿الظُّلُمَـاتُ﴾ جمع ظلمة وهي عدم النور ﴿وَلا﴾ للتأكيد ﴿النُّورُ﴾ هو الضوء المنتشر المعين للأبصار تمثيل للباطل والحق.
فالكافر في ظلمة الكفر والشرك والجهل والعصيان والبطلان لا يبصر اليمين من الشمال فلا يرجى له الخلاص من المهالك بحال.
والمؤمن في نور التوحيد والإخلاص والعلم والطاعة والحقانية بيده الشموع والأنوار أينما سار.
وجمع الظلمات مع أفراد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق يعني أن الحق واحد وهو التوحيد فالموحد لا يعبد إلا الله تعالى وأما الباطل فطرقه كثيرة وهي وجوه الإشراك فمن عابد للكواكب ومن عابد للنار ومن عابد للأصنام إلى غير ذلك فالظلمات كلها لا تجد فيها ما يساوي ذلك النور الواحد.
وفيه إشارة إلى ظلمة النفس ونور الروح فإن المحجوب في ظلمة الغفلات المتضاعفة والمكاشف في نور الروح واليقظة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
﴿وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ﴾ قدم الأعمى على البصير والظلمات على النور والظل على الحرور ليتطابق فواصل الآي وهو تمثيل للجنة والنار والثواب والعقاب والراحة والشدة.
الظل بالفارسية (سايه).
قال الراغب : يقال لكل موضع لا تصل إليه الشمس ظل ولا يقال الفيىء إلا لما زال عنه الشمس ويعبر بالظل عن العز والمنعة وعن الرفاهية انتهى.
والحرور : الريح الحارة بالليل وقد تكون بالنهار وحر الشمس والحر الدائم والنار كما في "القاموس" فعول من الحر غلب على السموم وهي الريح الحارة التي تؤثر تأثير السم تكون غالباً بالنهار.
والمعنى كما لا يستوي الظل والحرارة من حيث أن في الظل استراحة للنفس وفي الحرارة مشقة وألماً كذلك لا يستوي ما للمؤمن من الجنة التي فيها ظل وراحة وما للكافر من النار التي فيها حرارة شديدة.
وفيه إشارة إلى أن البعد من الله تعالى كالحرور في إحراق الباطن والقرب منه كالظل في تفريح القلب.
﴿وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِى الاحْيَآءُ وَلا الامْوَاتُا إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُا وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ * إِنْ أَنتَ إِلا﴾.
﴿وَمَا يَسْتَوِى الاحْيَآءُ وَلا الامْوَاتُ﴾ تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وأوثرت صيغة الجمع في الطرفين تحقيقاً للتباين بين أفراد الفريقين والحي ما به القوة الحساسة
٣٣٨
والميت ما زال عنه ذلك وجه التمثيل أن المؤمن منتفع بحياته إذ ظاهره ذكر وباطنه فكر دون الكافر إذ ظاهره عاطل وباطنه باطل.
وقال بعض العلماء : هو تمثيل للعلماء والجهال وتشبيه الجهلة بالأموات شائع ومنه قوله :
لا تعجبن الجهول خلته
فإنه الميت ثوبه كفن
لأن الحياة المعتبرة هي حياة الأرواح والقلوب وذلك بالحكم والمعارف ولا عبرة بحياة الأجساد بدونها لاشتراك البهائم فيها.
قال بعض الكبار : الأحياء عند التحقيق هم الواصلون بالفناء التام إلى الحياة الحقيقية وهم الذين ماتوا بالاختيار قبل أن يموتوا بالاضطرار ومعنى موتهم إفناء أفعالهم وصفاتهم وذواتهم في أفعال الحق وصفاته وذاته وإزالة وجودياتهم بالكلية طبيعة ونفساً وإليه الإشارة بقوله عليه السلام :"من أراد أن ينظر إلى ميت متحرك فلينظر إلى أبي بكر" فالحياة المعنوية لا يطرأ عليها الفناء بخلاف الحياة الصورية فإنها تزول بالموت فطوبى لأهل الحياة الباقية وللمقارنين بهم والآخذين عنهم.
قال إبراهيم الهروي : كنت بمجلس أبي يزيد البسطامي قدس سره فقال بعضهم : إن فلاناً أخذ العلم من فلان قال أبو يزيد المساكين أخذوا العلوم من الموتى ونحن أخذنا العلم من حي لا يموت وهو العلم اللدني الذي يحصل من طريق الإلهام بدون تطلب وتكلف، قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
نه مردم همين استخوانند ويوسف
نه هر صورتى جان ومعنى دروست
نه سلطان خريدار هربنده ايست
نه در زير هر نده ايست
﴿إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ﴾ كلامه إسماع فهم واتعاظ وذلك بإحياء القلب ﴿مَن يَشَآءُ﴾ أن يسمعه فينتفع بإنذارك ﴿وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ﴾ جمع قبر وهو مقر الميت وقبرته جعلته في القبر.
وهذا الكلام ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات وإشباع في إقناطه عليه السلام من إيمانهم وترشيح الاستعارة اقترانها بما يلائم المستعار منه شبه الله تعالى من طبع على قلبه بالموتى في عدم القدرة على الإجابة فكما لا يسمع أصحاب القبور ولا يجيبون كذلك الكفار لا يسمعون ولا يقبلون الحق.


الصفحة التالية
Icon