﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ بِالْحَقِّ﴾ حال من المرسل بالكسر أي : حال كوننا محقين أو من المرسل بالفتح أي : حال كونك محقاً أو صفة لمصدر محذوف أي : إرسالاً مصحوباً بالحق وأرسلناك بالدين الحق الذي هو الإسلام أو بالقرآن ﴿بَشِيرًا﴾ حال كونك بشيراً للمؤمنين بالجنة وبالفارسية :(مده دهنده) ﴿وَنَذِيرًا﴾ منذراً للكافرين بالنار وبالفارسية :(بيم كننده) ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ﴾ أي : ما من أمة من الأمم السالفة وأهل عصر من الأعصار الماضية ﴿إِلا خَلا﴾ مضى.
قال الراغب الخلاء المكان الذي لا ساتر فيه من بناء وساكن وعيرهما.
والخلو يستعمل في الزمان والمكان لكن لما تصور في الزمان المضيّ فسر أهل اللغة قولهم خلا الزمان بقولهم مضى وذهب ﴿فِيهَا﴾ أي : في تلك الأمة ﴿نَذِيرٌ﴾ (بيم وآكاه كننده) من نبي أو عالم ينذرهم والاكتفاء بالإنذار لأنه هو المقصود الأهم من البعثة.
قال في "الكواشي" : وأما فترة عيسى فلم يزل فيها من هو على دينه وداع إلى الإيمان.
وفي "كشف الأسرار" الآية تدل على أن كل وقت لا يخلو من حجة خبرية وأن أول الناس آدم وكان مبعوثاً إلى أولاده ثم لم يخل بعده زمان من صادق مبلغ عن الله أو آخر يقوم مقامه في البلاغ والأداء حين الفترة وقد قال تعالى :﴿أَيَحْسَبُ الانسَـانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ (القيامة : ٣٦) لا يؤمر ولا ينهى.
فإن قيل كيف يجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى :﴿لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ فَهُمْ غَـافِلُونَ﴾.
قلت : معنى الآية ما من أمة من الأمم الماضية إلا وقد أرسلت إليهم رسولاً ينذرهم على كفرهم ويبشرهم على إيمانهم أي : سوى أمتك التي بعثناك إليهم يدل على ذلك قوله :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ﴾ (سبأ : ٤٤) وقوله :﴿لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ﴾ (يس : ٦) وقيل : المراد ما من أمة هلكوا بعذاب الاستئصال إلا بعد أن أقيم عليهم الحجة بإرسال الرسول بالأعذار والإنذار انتهى ما في "كشف الأسرار" وهذا الثاني هو الأنسب بالتوفيق بين الآيتين يدل عليه ما بعده من قوله "وإن يكذبوك إلخ" وإلا فلا يخفى أن أهل الفترة ما جاءهم نذير على ما نطق به قوله تعالى :﴿مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ﴾ ويدل
٣٤٠
أيضاً أن كل أمة أنذرت من الأمم ولم تقبل استؤصلت فكل أمة مكذبة معذبة بنوع من العذاب وتمام التوفيق بين الآيتين يأتي في يس.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ﴾ (واكر معاندان قريش ترا دروغ زن دارند وبر تكذيب استمرار نمايند س بايشان وبتكذيب آنان مبالات مكن) ﴿فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من الأمم العاتية أنبياءهم ﴿جَآءَتْهُمْ﴾ (آمدند بديشان) وهو وما بعده استئناف أو حال أي : كذب المتقدمون وقد جاءتهم ﴿رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ﴾ أي : المعجزات الظاهرة الدالة على صدق دعواهم وصحت نبوتهم ﴿وَبِالزُّبُرِ﴾ كصحف شيث وإدريس وإبراهيم عليهم السلام جمع زبور بمعنى المكتوب من زبرت الكتاب كتبته كتابة غليظة وكل كتاب غليظ الكتابة يقال له زبور كما في "المفردات" ﴿وَبِالْكِتَـابِ الْمُنِيرِ﴾ أي : المظهر للحق الموضح لما يحتاج إليه من الأحكام والدلائل والمواعظ والأمثال والوعد والوعيد ونحوها كالتوراة والإنجيل والزبور على إرادة التفصيل دون الجمع أي : بعض هذه المذكورات جاءت بعض المكذبين وبعضها بعضهم لا أن الجميع جاءت كلاً منهم.
﴿ثُمَّ أَخَذْتُ﴾ بأنواع العذاب ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ثبتوا على الكفر وداوموا عليه وضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة والإشعار بعلية الأخذ ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أي : إنكاري بالعقوبة وتعييري عليهم وبالفارسية :(س كونه بود انكار من برايشان بعذاب وعقاب).
قال في "كشف الأسرار" :(يداكردن نشان ناخوشنودى ون بود حال كردانيدن من ون ديدى).
قال ابن الشيخ الاستفهام للتقرير فإنه عليه السلامصلى الله عليه وسلّم علم شدة الله عليهم فحسن الاستفهام على هذا الوجه في مقابلة التسلية يحذر كفار هذه الأمة بمثل عذاب الأمم المكذبة المتقدمة والعاقل من وعظ بغيره :
نيك بخت آنكسى بود كه دلش
آنه نيكى دروست بذيرد
ديكرانرا و ند داده شود
او ازان ند بهره بر كيرد
ويسلي أيضاً رسوله عليه السلام فإن التكذيب ليس ببدع من قريش فقد كان أكثر الأولين مكذبين وجه التسلي أنه عليه السلام كان يحزن عليهم وقد نهى الله عن الحزن بقوله :﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ (النحل : ١٢٧) وذلك لأنهم كانوا غير مستعدين لما دعوا إليه من الإيمان والطاعة فتوقع ذلك منهم كتوقع الجوهرية من الحجر القاسي :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
توان اك كردن نك آينه
وليكن نيايد زسنك آينه


الصفحة التالية
Icon