مع أن الحزن للحق لا يضيع كما أن امرأة حاضت في الموقف فقالت : آه فرأت في المنام كأن الله تعالى يقول : أما سمعت أني لا أضيع أجر العاملين وقد أعطيتك بهذا الحزن أجر سبعين حجة.
قال بعض الكبار لا يخفى أن أجر كل نبي في التبيلغ يكون على قدر ما ناله من المشقة الحاصلة له من المخالفين وعلى قدر ما يقاسيه منهم وكل من رد رسالة نبي ولم يؤمن بها أصلاً فإن لذلك النبي أجر المصيبة وللمصاب أجر على الله بعدد من رد رسالته من أمته بلغوا ما بلغوا وقس على هذا حال الولي الوارث الداعي إلى الله على بصيرة.
﴿تُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِا وَتُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّا وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَـافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَا وَمَن يَفْعَلْ ذَالِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَـاـاةًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَه وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾.
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ الاستفهام تفريري والرؤية قلبية أي : ألم تعلم يعني قد علمت يا محمد أو يا من يليق به الخطاب ﴿أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ﴾ بقدرته
٣٤١
وحكمته ﴿مِنَ السَّمَآءِ﴾ أي : من الجهة العلوية سماء أو سحاباً ﴿مَآءً﴾ مطراً ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾ أي : بذلك الماء.
والالتفات من الغيبة إلى التكلم لإظهار كمال الاعتناء بفعل الإخراج لما فيه من الصنع البديع المنبىء عن كمال القدرة والحكمة ولأن الرجوع إلى نون العظمة أهيب في العبارة.
وقال الكاشفي :(عدول متكلم جهت تخصيص فعل است يعني ماتوانييم كه بيرون آريم بدان آب) ﴿ثَمَرَاتٍ﴾ جمع ثمرة وهي اسم لكل ما يطعم من أحمال الشجر ﴿مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا﴾ وصف سببي للثمرات أي : أجناسها من الرمان والتفاح والتين والعنب وغيرها أو أصنافها على أن كلاً منها ذو أصناف مختلفة كالعنب فإن أصنافه تزيد على خمسين وكالتمر فإن أصنافه تزيد على مائة أو هيآتها من الصفرة والحمرة والخضرة والبياض والسواد وغيرها
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدُ﴾ مبتدأ وخبر.
والجدد جمع جدة بالضم بمعنى الطريقة التي يخالف لونها ما يليها سواء كانت في الجبل أو في غيره والخطة في ظهر الحمار تخالف لونه وقد تكون للظبي جدتان مسكيتان تفصلان بين لوني ظهره وبطنه.
ولما لم يصح الحكم على نفس الجدد بأنها من الجبال احتيج إلى تقدير المضاف في المبتدأ أي : ومن الجبال ما هو ذو جدد أي : خطط وطرائق متلونة يخالف لونها لون الجبل فيؤول المعنى إلى أن من الجبال ما هو مختلف ألوانه لأن بيض صفة جدد وحمر عطف على بيض فتلا عليه السلام القرائن الثلاث فإن ما قبلها فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها وما بعدها ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه أي : منهم بعض مختلف ألوانه فلا بد في القرينة المتوسطة بينهما من ارتكاب الحذف ليؤول المعنى إلى ما ذكر فيحصل تناسب القرائن.
وفي "المفردات" أي : طرائق ظاهرة من قولهم طريق مجدود أي : مسلوك مقطوع ومنه جادة الطريق.
وفي "الجلالين" الطرائق تكون في الجبال كالعروق ﴿بِيضٌ﴾ جمع أبيض صفة جدد ﴿وَحُمْرٌ﴾ جمع أحمر.
وفي"كشف الأسرار" :(واز كوهها راهها بيدا شده از روندكان خطها سبد وخطها سرخ در كوههاى سيد وكوههاى سرخ) حمل صاحب "كشف الأسرار" الجدد على الطرائق المسلوكة والظاهر هو الأول لأن المقام لبيان ما هو خلقي على أن كون الطريقة بيضاء لا يستلزم كون الجبال كذلك إذ للجبال عروق لونها يخالف لونها وكذا العكس وهو أن كون الجبل أبيض لا يقتضي كون الطريقة كذلك فمن موافق ومن مخالف ﴿مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا﴾ أي : ألوان تلك الجدد إلا أن قوله مختلف ألوانها صفة لكل واحدة من الجدد البيض والحمر بمعنى أن بياض كل واحدة من الجدد البيض وكذا حمرة الجدد الحمر يتفاوتان بالشدة والضعف.
فقوله :﴿بِيضٌ وَحُمْرٌ﴾ وإن كان صفة لجدد فرب أبيض أشد بياضاً من أبيض آخر وكذا رب أحمر أشد حمرة من أحمر آخر فنفس البياض مختلف وكذا نفس الحمرة فلذلك جمع لفظ ألوان مضافاً إلى ضمير كل واحد من البيض والحمر فيكون كل واحد منهما من قبيل الكلي المشكك.
ويحتمل أن يكون قوله مختلف ألوانها صفة ثالثة لجدد فيكون ضمير ألوانها للجدد فيكون تأكيداً لقوله ﴿بِيضٌ وَحُمْرٌ﴾ ويكون اختلاف ألوان الجدد بأن يكون بعضها أبيض وبعضها أحمر فتكون الجدد كلها على لونين بياض
٣٤٢
وحمرة إلا أنه عبر عن اللونين بالألوان لتكثير كل واحد منهما باعتبار محاله كذا في "حواشي ابن الشيخ".
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١


الصفحة التالية
Icon