يقول الفقير : من شاهد جبال ديار العرب في طريق الحج وغيرها وجد هذه الأقسام كلها فإنها وجددها مختلفة متلونة ﴿وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ عطف على بيض فيكون من تفاصيل الجدد والصفات القائمة بها كالبيض والحمر كأنه قيل ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود غرابيب.
وإنما وسط الاختلاف لأنه علم من الوصف بالغرابيب أنه ليس في الأسود اختلاف اللون بالشدة والضعف.
ويجوز أن يكون غرابيب عطفاً على جدد فلا يكون داخلاً في تفاصيل الجدد بل يكون قسيمها كأنه قيل ومن الجبال مخطط ذو جدد ومنها ما هو على لون واحد وهو السواد.
فالغرض من الآية إما بيان اختلاف ألوان طرائق الجبال كاختلاف ألوان الثمرات فترى الطرائق الجبلية من البعيد منها بيض ومنها حمر ومنها سود وإما بيان اختلاف ألوان الجبال نفسها وكل منها أثر دال على القدرة الكاملة كذا في "حواشي ابن الشيخ".
والغرابيب جمع غربيب كعفريت يقال : أسود غربيب أي شديد السواد الذي يشبه لون الغراب وكذا يقال : أسود حالك كما يقال : أصفر فاقع وأبيض يقق محركة وأحمر قان لخالص الصفرة وشديد البياض والحمرة وفي الحديث "إن الله يبغض الشيخ الغربيب" يعني الذي يخضب بالسواد كما في "تفسير القرطبي" والذي لا يشيب كما في "المقاصد الحسنة" والسود جمع أسود.
فإن قلت إذا كان الغربيب تأكيداً للأسود كالفاقع مثلاً للأصفر ينبغي أن يقال وسود غرابيب بتقديم السود إذ من حق التأكيد أن يتبع المؤكد ولا يتقدم عليه.
قلت : الغرابيب تأكيد لمضمر يفسره ما بعده والتقدير سود غرابيب سود فالتأكيد إذاً متأخر عن المؤكد وفي الإضمار ثم الإظهار مزيد تأكيد لما فيه من التكرار وهذا أصوب من كون السود بدلاً من الغرابيب كما ذهب إليه الأكثر حتى صاحب "القاموس" كما قال وأما غرابيب سود بدل لأن تأكيد الألوان لا يتقدم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ (واز آدميان) ﴿وَالدَّوَآبِّ﴾ (واز هار ايان) جمع دابة وهي ما يدب على الأرض من الحيوان وغلب على ما يركب من الخيل والبغال والحمير ويقع على المذكر ﴿وَالانْعَـامِ﴾ (واز رند كان) جمع نعم محركة وقد يسكن عينه الإبل والبقر والضأن والمعز دون غيرها فالخيل والبغال والحمير خارجة عن الأنعام والمعنى ومنهم بعض ﴿مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾ أو وبعضهم مختلف ألوانه بأن يكون أبيض وأحمر وأسود ولم يقل هنا ألوانها لأن الضمير يعود إلى البعض الدال عليه من ﴿كَذَالِكَ﴾ تم الكلام هنا وهو مصدر تشبيهي لقوله مختلف أي : صفة لمصدر مؤكد تقديره مختلف اختلافاً كائناً كذلك أي : كاختلاف الثمار والجبال ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالانْعَـامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾ يعني (هركه نداند قدرت خدايرا بر آفريدن اشيا وعالم نبود بتحويل هر يزى از حالى بحالى كونه از خداى تعالى ترسد ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ﴾ ) الخ.
وفي "الإرشاد" وهو تكملة لقوله تعالى :﴿إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ﴾ بتعيين من يخشاه من الناس بعد بيان اختلاف طبقاتهم وتباين مراتبهم أما في الأوصاف المعنوية فبطريق التمثيل وأما في الأوصاف الصورية فبطريق التصريح توفية لكل واحدة منها حقها اللائق بها من البيان
٣٤٣
أي : إنما يخشاه تعالى بالغيب العالمون به وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الجميلة لما أن مدار الخشية معرفة المخشى والعلم بشؤونه فمن كان أعلم به تعالى كان أخشى منه كما قال عليه السلام :"أنا أخشاكموأتقاكم له" ولذلك عقب بذكر أفعاله الدالة على كمال قدرته وحيث كان الكفرة بمعزل عن هذه المعرفة امتنع إنذارهم بالكلية انتهى.
وتقديم المخشي وهو المفعول للاختصاص وحصر الفاعلية أي : لا يخشى الله من بين عباده إلا العلماء ولو أخر لانعكس الأمر وصار المعني لا يخشون إلا الله وبينهما تغاير ففي الأول بيان أن الخاشعين هم العلماء دون غيرهم وفي الثاني بيان أن المخشي منه هو الله دون غيره.
وقرأ أبو حنيفة وعمر بن عبد العزيز وابن سيرين برفع اسم الله ونصب العلماء على أن الخشية استعارة للتعظيم فإن المعظم يكون مهيباً فالمعنى إنما يعظمهم الله من بين جميع عباده كما يعظم المهيب المخشي من الرجال بين الناس وهذه القراءة وإن كانت شاذة لكنها مفيدة جداً وجعل عبد الله بن عمر الخشية بمعنى الاختيار أي : إنما يختار الله من بين عباده العلماء ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ (غالبست در انتقام كشيدن از كسى كه نترسد از عقوبت او) ﴿غَفُورٌ﴾ للخاشعين وهو تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب من عصيانه ومن حق من هذه صفته أن يخشى.
قيل الخشية تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل يكون تارة بكثرة الجناية من العبد وتارة بمعرفة جلال الله وهيبته وخشية الأنبياء من هذا القبيل.
فعلى المؤمن أن يجتهد في تحصيل العلم بالله حتى يكون أخشى الناس فبقدر مراتب العلم تكون مراتب الخوف والخشية.


الصفحة التالية
Icon