وفي "التأويلات النجمية" : غفور يغفر تقصيرهم في العبودية شكور يشكر سعيهم مع التقصير بفضل الربوبية.
قال أبو الليث : الشكر على ثلاثة أوجه : الشكر ممن دونه يكون بالطاعة وترك مخالفته.
والشكر ممن هو شكله يكون بالجزاء والمكافأة.
والشكر ممن فوقه يكون رضى منه باليسير كما قال : بعضهم الشكور هو المجازي بالخير الكثير على العمل اليسير والمعطي بالعمل في أيام معدودة نعماً في الآخرة غير مجذوذة ومن عرف أنه الشكور شكر نعمته وآثر طاعته وطلب رحمته وشهد منته.
قال الغزالي رحمه الله : وأحسن وجوه الشكر لنعم الله أن لا يستعملها في معاصيه بل في طاعاته.
وخاصة هذا الاسم إنه لو كتبه إحدى وأربعين مرة من به ضيق في النفس وتعب في البدن وثقل في الجسم وتمسح به وشرب منه برىء بإذن الله تعالى وإن تمسح به ضعيف البصر على عينيه وجد بركة ذلك.
﴿لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِه إِنَّه غَفُورٌ شَكُورٌ * وَالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَـابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْه إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِه لَخَبِيرُا بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾.
﴿وَالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَـابِ﴾ وهو القرآن ومن للتبيين أو للجنس أو للتبعيض ﴿هُوَ الْحَقُّ﴾ الصدق لا كذب فيه ولا شك ﴿مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي : حال كونه موافقاً لما قبله من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء في العقائد وأصول الأحكام وهو حال مؤكدة أي : أحقه مصدقاً لأن حقيته لا تنفك عن هذا التصديق ﴿إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ﴾
٣٤٥
متعلق بقوله :﴿لَخَبِيرُا بَصِيرٌ﴾ وتقديمه عليه لمراعاة الفاصلة التي على حرف الراء أي : محيط ببواطن أمورهم وظواهرها فلو كان في أحوالك ما ينافي النبوة لم يوح إليك مثل هذا الحق المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب يعرف صدقها منه وتقديم الخبير للتنبيه على أن العمدة في ذلك العلم والإحاطة هي الأمور الروحانية.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ﴾ من أهل السعادة وأهل الشقاوة ﴿لَخَبِيرُ﴾ لأنه خلقهم ﴿بَصِيرٌ﴾ بما يصدر منهم من الأخلاق والأعمال انتهى فقد أعلم الله تعالى حقية القرآن ووعد على تلاوته والعمل به الأجر الكثير ولا يحصل أجر التلاوة للأمي إذ لا تلاوة له بل للقارىء فلا بد من التعلم والاشتغال في جميع الأوقات، قال المولى الحامي :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
ون زنفس وحديثش آيى تنك
بكلام قديم كن آهنك
مصحفى جو و شاهد مهوش
بوسه زن دركنار خويشش كش
حرف او كن حواس جسماني
وقف او كن قواى روحاني
دل بمعنى زبان بلفظ سار
شم بر خط نه ونقط بكذار
وفي الحديث :"إذا كان يوم القيامة وضعت منابر من نور مطوقة بنور عند كل منبر ناقة من نوق الجنة ينادي منادٍ اين من حمل كتاب الله اجلسوا على هذه المنابر فلا روع عليكم ولا حزن حتى يفرغ الله مما بينه وبين العباد فإذا فرغ الله من حساب الخلق حملوا على تلك النوق إلى الجنة" وفي الحديث :"إن أردتم عيش السعداء وموت الشهداء والنجاة يوم الحشر والظل يوم الحرور والهدى يوم الضلالة فادرسوا القرآن فإنه كلام الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان".
ذكر في "القنية" أن الصلاة على النبي عليه السلام والدعاء والتسبيح أفضل من قراءة القرآن في الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها.
فالمستحب بعد الفجر مثلاً ذكر الله تعالى كما هو عادة الصوفية إلى أن تطلع الشمس فإن هذا الوقت وإن جاز فيه قضاء الفوائت وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة ولكن يكره التطوع فهو منهي عنه فيه وكذا المنذورة وركعتا الطواف وقضاء تطوع إذا أفسده لأنها ملحقة بالنفل إذ سبب وجوبها من جهته جعلنا الله وإياكم من المغتنمين بتلاوة كتابه والمتشرفين بلطف خطابه والواصلين إلى الأنوار والأسرار.
﴿ثُمَّ﴾ للترتيب والتأخير أي : بعدما أوحينا إليك أو بعد كتب الأولين كما دل ما قبله على كل منهما.
وسئل الثوري على ماذا عطف بقوله ثم قال على إرادة الأزل والأمر المقضي أي : بعدما أردنا في الأزل ﴿أَوْرَثْنَا الْكِتَـابَ﴾ أي : ملكنا بعظمتنا ملكاً تاماً وأعطينا هذا القرآن عطاء لا رجوع فيه.
قال الراغب الوراثة انتقال قينة إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجري مجرى العقد وسمي بذلك المنتقل عن الميت ويقال لكل من حصل له شيء من غير تعب قد ورث كذا انتهى وسيأتي بيانه ﴿الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ الموصول مع صلته مفعول ثان لأورثنا.
والاصطفاء في الأصل تناول صفو الشيء بالفارسية :(بركزيدن وعباد اينجا بموضع كرامت است اكره كه نسبت عبوديت آدمرا حقيقت است) كما في "كشف الأسرار" والمعنى بالفارسية :(آنا نرا كه بركزيديم از بندكان ما "وهم الأمة بأسرهم"
٣٤٦