وفي "التأويلات النجمية" لما ذكرهم أصنافاً ثلاثة رتبها ولما ذكر حديث الجنة والتنعم والتزين فيها ذكرهم على الجمع ﴿جَنَّـاتُ عَدْنٍ﴾ الآية نبه على أن دخولهم الجنة لا باستحقاق بل بفضله وليس في الفضل تميز فيما يتعلق بالنعمة دون ما يتعلق بالمنعم لأن في الخبر "إن من أهل الجنة من يرى الله سبحانه في كل جمعة بمقدار أيام الدنيا مرة ومنهم من يراه في كل يوم مرة ومنهم من هو غير محجوب عنه لحظة" كما سبق ﴿يُحَلَّوْنَ﴾ (التحلية : بازيور كردن) أي : يلبسون على سبيل التزين والتحلي نساء ورجالاً خبر ثان أو حال مقدرة ﴿فِيهَا﴾ أي : في تلك الجنات ﴿مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ من الأولى تبعيضية والثانية بيانية.
وأساور جمع أسورة وهو جمع سوار مثل كتاب وغراب معرب "دستواره" والمعنى يحلون بعض أساور من ذهب لأنه أفضل من سائر أفرادها أي : بعضاً سابقاً لسائر الأبعاض
٣٥١
كما سبق المسورون به غيرهم وقال في سورة هل أتى ﴿وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ (الإنسان : ٢١) قيل يجمع لهم الذهب والفضة جميعاً وهو أجمل أو بعضهم يحلون بالذهب وهم المقربون وبعضهم يحلون بالفضة وهم الأبرار ﴿وَلُؤْلُؤًا﴾ بالنصب عطفاً على محل من أساور.
واللؤلؤ الدر سمي بذلك لتلألئه ولمعانه والمعنى ويحلون لؤلؤاً.
قال الكاشفي :(نانه ادشاهان عجم).
وقرىء بالجر عطفاً على ذهب أي : من ذهب مرصع باللؤلؤ ومن ذهب في صفاء اللؤلؤ وذلك لأنه لم يعهد الأسورة من نفس اللؤلؤ إلا أن تكون بطريق النظم في السلك.
وقال في "بحر العلوم" : عطف على ذهب فإنهم يسورون بالجنسين أساور من ذهب ومن لؤلؤ وذلك على الله يسير وكم من أمر من أمور الآخرة يخالف أمور الدنيا وهذا منها
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ لا كحرير الدنيا فإنه لا يوجد من معناه في الدنيا إلا الاسم واللباس اسم ما يلبس وبالفارسية :(جامه ووشش) والحرير من الثياب مارق كما في "المفردات" وثوب يكون سداه ولحمته ابريسما وإن كان في الأصل الابريسم المطبوخ كما في القهستاني.
ويحرم لبسه على الرجال دون النساء إلا في الحرب ولكن لا يصلي فيه إلا أن يخاف العدو أو لضرورة كحكة أو جرب في جسده أو لدفع القمل ولا يلبسه وإن لم يتصل بجلده وهو الصحيح وجاز أن يكون عروة القميص وزره حريراً كالعلم في الثوب ولا بأس أن يشد خماراً أسود من الحرير على العين الرامدة والناظرة إلى الثلج وأن تكون التكة حريراً ورخص قدر أربع أصابع كما هي.
وقيل مضمومة ولا يجمع المتفرق من الحرير.
ويجوز عند الإمام أن يجعل الحرير تحت رأسه وجنبه ويكره عندهما وبه أخذ أكثر المشايخ.
وعلى هذا الخلاف تعليق الحرير على الجدر ولا بأس بالجلوس على بساط الحرير والصلاة على السحادة منه ويوضع ملاءة الحرير على مهد الصبي.
ويلبس الرجل في الحرب وغيره بلا كراهة إجماعاً ما سداه ابريسم ولحمته وغيره سواء كان مغلوباً أو غالباً أو مساوياً للحرير وهو الصحيح.
ويلبس عكسه أي : ما لحمته ابريسم وسداه غيره في حرب فقط.
وكره إلباس الصبي ذهباً أو حريراً لئلا يعتاده والإثم على الملبس لأن الفعل مضاف إليه.
وكذا يكره كل لباس خلاف السنة والمستحب أن يكون من القطن والكتان أو الصوف.
وأحب الألوان البياض.
ولبس الأخضر سنة.
ولبس الأسود مستحب ولا بأس بالثوب الأحمر كما في الزاهدي الكل من القهستاني وقد سبق باقي البيان في سورة الحج وغيرها ﴿وَقَالُوا﴾ أي : ويقولون عند دخول الجنة حمداً لربهم على ما صنع بهم وصيغة الماضي للدلالة على التحقق وبالفارسية :(وكويند اين جمع ون ازحفره دوزخ برهند وبروضه بهشت برسند) ﴿الْحَمْدُ﴾ أي : الإحاطة بأوصاف الكمال لمن له تمام القدرة ﴿الَّذِى أَذْهَبَ﴾ أزال ﴿عَنَّا﴾ بدخولنا الجنة ﴿الْحَزَنَ﴾ الحزن بفتحتين والحزن بالضم والسكون واحد وهو خشونة الأرض وخشونة في النفس لما يحصل فيه من الغم ويضاده الفرح.
وفي "التأويلات النجمية" : سمي الحزن حزناً لحزونة الوقت على صاحبه وليس في الجنة وهي جوار الحضرة حزونة وإنما هي رضى واستبشار انتهى.
والمراد جنس الجزن سواء كان حزن الدنيا أو حزن الآخرة من هم المعاش وحزن زوال النعم والجوع والعطش وقوت من الحلال وخوف السلطان ودغدغة التحاسد والتباغض وحزن الأعراض والآفات ووسوسة إبليس والسيآت
٣٥٢
ورد الطاعات وسوء العاقبة والموت وأهوال يوم القيامة والنار والمرور على الصراط وخوف الفراق وتدبير الأحوال وغير ذلك وفي الحديث "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في محشرهم ولا في منشرهم وكأني بأهل لا إله إلا الله يخرجون من قبورهم ينفضون التراب عن وجوههم ويوقولون الحمدالذي أذهب عنا الحزن".
قال أبو سعيد الخراز قدس سره : أهل المعرفة في الدنيا كأهل الجنة في الآخرة فتركوا الدنيا في الدنيا فتنعموا وعاشوا عيش الجنانيين بالحمد والشكر بلا خوف ولا حزن.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١


الصفحة التالية
Icon