جنت نقدست اينجا ذوق ارباب حضور
دردل ايشان نباشد حزن وغم تانفخ صور
﴿إِنَّ رَبَّنَا﴾ المحسن إلينا مع إساءتنا ﴿لَغَفُورٌ﴾ للمذنبين فيبالغ في ستر ذنوبهم الفائتة للحصر ﴿شَكُورٌ﴾ للمطيعين فيبالغ في إثابتهم فإن الشكر من الله الإثابة والجزاء والوفاق.
وفي "التأويلات" : غفور للظالم لنفسه شكور للمقتصد والسابق وإنما قدم ما للظالم رفقاً بهم لضعف أحوالهم انتهى.
ثم وصفوا الله بوصف آخر هو شكر له فقالوا :
﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَا إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِه لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا﴾.
﴿الَّذِى أَحَلَّنَا﴾ أنزلنا يقال حلت نزلت من حل الأحمال عند النزول ثم جرد استعماله للنزول فقيل : حل حلولاً وأحله غيره والمحلة مكان النزول كما في "المفردات" ﴿دَارَ الْمُقَامَةِ﴾ مفعول ثانٍ لأحل وليست بظرف لأنها محدودة.
والمقامة بالضم مصدر تقول أقام يقيم إقامة ومقامة أي : دار الإقامة التي لا انتقال عنها أبداً فلا يريد النازل بها ارتحالاً منها ولا يراد به ذلك ﴿مِّن فَضْلِهِ﴾ أي : من أنعامه وتفضله من غير أن يوجبه شيء من قبلنا من الأعمال فإن الحسنات فضل منه أيضاً فلا واجب عليه.
وذلك أن دخول الجنة بالفضل والرحمة واقتسام الدرجات بالأعمال والحسنات هذا مخلوق تحت رق مخلوق مثله لا يستحق على سيده عوضاً لخدمته فكيف الظن بمن له الملك على الإطلاق أيستحق من يعبده عوضاً عن عبادته تعالى الله عما يقول المعتزلة من الإيجاب.
وفي "التأويلات" وبقوله :﴿الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ﴾ من فضله كشف القناع عن وجه الأحوال كلها فدخل كل واحد من الظالم والمقتصد والسابق في مقام أحله الله فيه من فضله لا بجهده وعمله وأن الذي أدخله الله الجنة جزاء بعمله فتوفيقه للعمل الصالح أيضاً من فضل الله وهذا حقيقة قوله عليه السلام :"قبل من قبل لا لعلة ورد من رد لا لعلة" ﴿لا يَمَسُّنَا﴾ المس كاللمس وقد يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى والمعنى بالفارسية :(نميرسد مارا) ﴿فِيهَا﴾ أي : في دار الإقامة في وقت من الأوقات ﴿نَصَبٌ﴾ تعب بدن ولا وجع كما في الدنيا ﴿وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ كلال وفتور إذ لا تكليف فيها ولا كدّ وبالفارسية :(ماندكى وملال ه كفتى ومحنتى نيست دروى بلكه همه عيش وحضور وفرح وسرورست) وإذا أرادوا أن يروه لا يحتاجون إلى قطع مسافة وانتظار وقت بل هم في غرفهم يلقون فيها تحية وسلاماً وإذا رأوه لا يحتاجون إلى تحديق مقلة في جهة يرونه كما هم بلا كيفية كل صفة لهم أرادت الرؤية لقوله تعالى :﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الانفُسُ وَتَلَذُّ الاعْيُنُ﴾ (الزخرف : ٧١) والفرق بين النصب واللغوب أن النصب نفس المشقة والكلفة واللغوب ما يحدث منه من الفتور للجوارح.
قال أبو حيان هو لازم من تعب البدن فهي الجديرة لعمري بأن يقال فيها :
٣٥٣
علياء لا تنزل الأحزان ساحتها
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
لو مسها حجر مسته سراء
والتصريح بنفي الثاني مع استلزام نفي الأول له وتكرير الفعل المنفي للمبالغة في بيان انتفاء كل منهما.


الصفحة التالية
Icon