والمعنى لتنذر قوماً لم ينذر آباؤهم الأقربون لتطاول مدة الفترة ولم يكونوا من أهل الكتاب ويؤيده قوله تعالى :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ﴾ (سبأ : ٤٤) يعني العرب وقوله :﴿هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الامِّيِّـانَ﴾ (الجمعة : ٢) إلى قوله :﴿وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾ (الجمعة : ٢) ويجوز أن تكون ما موصولة أو موصوفة على أن تكون الجملة مفعولاً ثانياً لتنذر بحذف العائد.
والمعنى لتتنذر قوماً العذاب الذي أنذره أو عذاباً أنذره آباؤهم الأبعدون في زمن إسماعيل عليه السلام وإنما وصف الآباء في التفسير الأول بالأقربين وفي الثاني بالأبعدين لئلا يلزم أن يكونوا منذرين وغير منذرين فآباؤهم الأقدمون أتاهم النذير لا محالة بخلاف آبائهم الادنين وهم قريش فيكون ذلك بمعنى قوله :﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَآءَهُمُ الاوَّلِينَ﴾ (المؤمنون : ٦٨).
فإن قلت : كيف هذا وقد وقعت الفترات في الأزمنة بين نبي ونبي حسبما يحكى في التواريخ وأما الحديث فقيل كان خالد مبعوثاً إلى بني عبس خاصة دون غيرهم من العرب وكان بين عهد عيسى وعهد نبينا عليه السلام.
ويقال إن قبره بناحية جرجان على قلة جبل يقال له خدا وقد قال فيه الرسول عليه السلام لبعض من بناته جاءته "يا بنت نبي ضيعه قومه" كذا في "الأسئلة المقحمة".
ويحتمل التوفيق بوجه آخر وهو أن المراد بالأمة التي خلا فيها نذير هي الأمة المستأصلة فإنه لم يستأصل قوم إلا بعد النذير والإصرار على تكذيبه وأيضاً إن خلو النذير في كل عصر يستلزم وجوده في كل ناحية والله أعلم ﴿فَهُمْ غَـافِلُونَ﴾ متعلق بنفي الإنذار مترتب عليه.
والضمير للفريقين أي : لم ينذر آباؤهم فهم جميعاً لأجله غافلون عن الإيمان والرشد وحجج التوحيد وأدلة البعث والفاء داخلة على الحكم المسبب عما قبله فالنفي المتقدم سبب له يعني أن عدم إنذارهم هو سبب غفلتهم ويجوز أن يكون متعلقاً بقوله لتنذر رداً لتعليل إنذاره فالضمير للقوم خاصة أي : فهم غافلون بما أنذر آباؤهم الأقدمون لامتداد المدة فالفاء داخلة على سبب الحكم المتقدم.
والغفلة ذهاب المعنى عن النفس والنسيان ذهابه عنها بعد حضوره.
قال بعضهم : الغفلة نوم القلب فلا تعتبر حركة اللسان إذا كان القلب نائماً ولا يضر سكونه إذا كان متيقظاً ومعنى التيقظ أن يشهده تعالى حافظاً له رقيباً عليه قائماً بمصالحه، قال المولى الجامي قدس سره :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
رب نال يفوه بالقرآن
وهو يفضي به إلى الخذلان
لعنتست اين كه بهر لهجه وصوت
شود ازتو حضور خاطر فوت
فكر حسن غنا برد هوشت
متكلم شود فرا موشت
٣٦٨
نشود بر دل توتابنده
كين كلام خداست يابنده
حكم لعنت ز قفل بى اخلاص
نيست باقارئان قرآن خاص
س مصلى كه درميان نماز
ميكند بر خداى عرض نياز
ون در صدق نيست باز برو
ميكند لعنت آن نماز برو
وفي الحديث "الغفلة في ثلاث الغفلة عن ذكر الله والغفلة فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وغفلة الرجل عن نفسه في الدين".
وفي "كشف الأسرار" :(غافلان دواند يكى ازكار دين غافل واز طلب اصلاح خود بى خبر سربدنيا درنهاده ومست شهوت كشته وديده فكرت وعبرت برهم نهاده حاصل وى آنست كه رب العزه كفت) ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَـاتِنَا غَـافِلُونَ * أولئك مَأْوَاـاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (يونس : ٧ ـ ٨) وفي الخبر :"عجبت لغافل وليس بمغفول عنه" (ديكر غافلى است سنديده ازكار دنيا وترتيب معاش غافل سلطان حقيقت برباطن وى استيلا نموده درمكاشفه جلال احديت نان مستهلك شده كه ازخود غائب كشته نه ازدنيا خبردارد نه از عقبا بزبان حال ميكويد) :
اين جهان دردست عقلست آن جهان دردست روح
اى همت بر قفاى هر دوده سالار زن
قالوا الصوفى كائن بائن :
هركه حق دادنور معرفتش
كائن بائن بود صفتش
جان بحق تن بغير حق كائن
تن زحق جان زغير حق بائن
ظاهر او بخلق يوسته
باطن او زخلق بكسسته
از درون آشنا وهمخانه
وزبرون درلباس بيكانه
فأهل هذه الصفة هم المتيقظون حقيقة وإن ناموا لأنه لا تنام عين العارفين وما سواهم هم النائمون حقيقة وإن سهروا لأنه لم تنفتح أبصار قلوبهم (ودر وصايا واردست كه يا علي بامردكان منشين علي رضي الله عنه كفت يا رسول الله مردكان كيانند كفت اهل جهلت وغفلت) اللهم اجعلنا من أهل العلم والعرفان والإيقان والشهود والعيان وشرفنا بلقائك في الدارين واصرفنا عن ملاحظة الكونين آمين.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤