﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌا غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ (المائدة : ٦٤) انتهى ﴿فَهِىَ إِلَى الاذْقَانِ﴾ الفاء للنتيجة أو التعقيب.
والأذقان جمع ذقن وهو مجتمع اللحيين بالفارسية (زنخدان) أي : فالأغلال منتهية إلى أذقانهم بحيث لا يتمكن المغلول معها من تحرك الرأس والالتفات وبالفارسية :(س آن غلها وزنجيرها يوسته شده بزنخدانهاى ايشان ونمى كذارندكه سرها بجنبانند) ووجه وصول الغل إلى الذقن هو إما كونه غليظاً عريضاً يملأ ما بين الصدر والذقن فلا جرم يصل إلى الذقن ويرفع الرأس إلى فوق وما كون الطوق الغل الذي يجمع اليدين إلى العنق بحيث يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة يدخل فيها رأس العمود الواصل بين ذلك الطوق وبين قيد اليد خارجاً عن الحلقة إلى الذقن فلا يخليه يحرك رأسه ﴿فَهُم مُّقْمَحُونَ﴾ رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم فإن الأقماح رفع الرأس إلى فوق مع غض البصر يقال قمح البعير قموحاً فهو قامح إذا رفع رأسه عند الحوض بعد الشرب إما لارتوائه أو لبرودة الماء أو لكراهة طعمه وأقمحت البعير شددت رأسه إلى خلف وأقمحه الغل إذا ترك رأسه مرفوعاً من ضيقه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
قال بعضهم لفظ الآية وإن كان ماضياً لكنه إشارة إلى ما يفعل بهم في الآخرة كقوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا الاغْلَـالَ فِى أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ (سبأ : ٣٣) الآية ولهذا قال الفقهاء كره جعل الغل في عنق عبده لأنه عقوبة أهل النار.
قال الفقيه : إن في زماننا جرت العادة بذلك إذا خيف من الأباق بخلاف التقييد فإنه غير مكروه لأنه سنة المسلمين في المتمردين هذا والجمهور على أن الآية تمثيل لحال الأكثر في تصميمهم على الكفر وعدم امتناعهم عنه وعدم التفاتهم إلى الحق وعدم انعطاف أعناقهم نحوه بحال الذين غلت أعناقهم فوصلت الأغلال إلى آذانهم وبقوا رافعين رؤوسهم غاضين أبصارهم فهم أيضاً لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤوسهم ولا يكادون يرون الحق أو ينظرون إلى جهته.
وقال الراغب : قوله فهم مقحمون تشبيه بحال البعير ومثل لهم وقصد إلى وصفهم بالتأبي عن الانقياد للحق وعن الإذعان لقبول الرشد والتأبي عن الإنفاق في سبيل الله انتهى، وفي "المثنوي" :
كفت اغلالاً فهم به مقمحون
نيست آن اغلال برما از برون
بند نهان ليك ازآهن را بتر
بند آهن را كند اره بتر
بند آهن را توان كردن جدا
بند غيبى را نداند كس دوا
مرد را زنبور اكر نيشى زند
طبع او آن لحظه بر دفعى تند
زخم نيش اما و ازهستى تست
غم قوى باشد نكردد درد ست
قال النقشبندي : هي أغلال الأماني والآمال وسلاسل الحرص والطمع بمزحرفات الدنيا الدنية وما يترتب عليها من اللذات الوهمية والشهوات البهيمية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿وَجَعَلْنَا﴾ أي : خلقنا لهم من كمال غضبنا عليهم وصيرنا ﴿مِنا بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ (ازيش روى ايشان) ﴿سَدًّا﴾ (ديوارى وحجابى) قرأه حفص بالفتح والباقون بالضم وكلاهما بمعنى.
وقيل : ما كان من عمل الناس بالفتح وما كان من خلق الله بالضم ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ (واز س ايشان) ﴿سَدًّا﴾ (رده ومانعى) ﴿فَأَغْشَيْنَـاهُمْ﴾ (الإغشاء : بر وشانيدن وكور كردن) والمضاف محذوف
٣٧١