﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِىَ الرَّحْمَـانَ بِالْغَيْبِا فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ * إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُوا وَءَاثَارَهُمْ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَـاهُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ * وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا أَصْحَـابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿إِنَّآ﴾ من مقام كمال قدرتنا والجمع للتعظيم ولكثرة الصفات.
وقال بعضهم لما في إحياء الموتى من حظ الملائكة وينافيه الحصر الدال عليه قوله :﴿نَحْنُ﴾ قال في "البحر" : كرر الضمير لتكرير التأكيد ﴿إِنَّا نَحْنُ﴾ نبعثهم بعد مماتهم ونجزيهم على حسب أعمالهم فيظهر حينئذٍ كمال الإكرام والانتقام للمبشرين والمنذرين من الأنام.
والإحياء جعل الشيء حياً ذا حس وحركة والميت من أخرج روحه وقد أطلق النبي عليه السلام لفظ الموتى على كل غني مترف وسلطان جائر وذلك في قوله عليه السلام :"أربع يمتن القلب الذنب على الذنب وكثرة مصاحبة النساء وحديثهن وملاحاة الأحمق تقول له ويقول لك ومجالسة الموتى قيل : يا رسول الله وما مجالسة الموتى؟ قال : كل غني مترف وسلطان جائر".
وفي "التأويلات النجمية" : نحيى قلوباً ماتت بالقسوة بما نمطر عليها من صوب الإقبال والزلفة انتهى فالإحياء إذاً مجاز عن الهداية ﴿وَنَكْتُبُ﴾ أي : نحفظ ونثبت في اللوح المحفوظ يدل عليه آخر الآية أو يكتب رسلنا وهم الكرام الكاتبون وإنما أسند
٣٧٤
إليه تعالى ترهيباً ولأنه الآمر به ﴿مَاَ قَدَّمُوا﴾ أي : أسلفوا من خير وشر وإنما أخر الكتابة مع أنها مقدمة على الإحياء لأنها ليست مقصودة لذاتها وإنما تكون مقصودة لأمر الإحياء ولولا الإحياء والإعادة لما ظهر للكتابة فائدة أصلاً ﴿وَءَاثَارَهُمْ﴾ أثر الشيء حصول ما يدل على وجوده أي : آثارهم التي أبقوها من الحسنات كعلم علموه أو كتاب ألفوه أو حبيس وقفوه أو بناء شيء من المساجد والرباطات والقناطر وغير ذلك من وجوه البرّ قال الشيخ سعدي :
نمرد آنكه ماند س از وى بجاى
ل ومسجد وخان ومهمان سراى
هر آن كو نماند از سش ياد كار
درخت وجودش نياورد بار
وركرفت آثار خيرش نماند
نشايد س از مرك الحمد خواند
ومن السيآت كوظيفة وظفها بعض الظلمة على المسلمين مسانهة أو مشاهرة وسكة أحدثها فيها تحسيرهم وشيء أحدث فيه صدّ عن ذكر الله من ألحان وملاهي ونحوه قوله تعالى :﴿يُنَبَّؤُا الانسَـانُ يَوْمَـاـاِذا بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ أي : بما قدم من أعماله وأخر من آثاره وفي "المثنوي" :
هركه بنهد سنت بد اى فتى
تا در افتد بعد او خلق از عمى
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
جمع كردد بر وى آن جمله بزه
كوسرى بودست وايشان دم غزه
فعلى العدول أن يرفعوا الأحداث التي فيها ضرر بين للناس في دينهم ودنياهم وإلا فالراضي كالفاعل وكل مجزي بعمله :
از مكافات عمل غافل مشو
كندم از كندم برويد جو ز جو
كين نين كفتست ير معنوي
كاى برادر هره كارى بدروى
وقال بعض المفسرين : هي آثار المشائين إلى المساجد ولعل المراد أنها من جملة الآثار كما في "الإرشاد".
ـ روي ـ أن جماعة من الصحابة بعدت دورهم عن المسجد النبوي فأراد النقلة إلى جوار المسجد فقال عليه السلام :"إن الله يكتب خطواتكم ويثيبكم عليها فالزموا بيوتكم" والله تعالى لا يترك الجزاء على الخطى سواء كانت في حسنة أو في سيئة وفي الحديث :"أعظم الناس أجراً من يصلي ثم ينام".
واختلف فيمن قربت داره من المسجد هل الأفضل له أن يصلي فيه أو يذهب إلى الأبعد فقالت طائفة : الصلاة في الأبعد أفضل لكثرة الثواب الحاصل بكثرة الخطى.
وقال بعضهم : الصلاة في الأقرب أفضل لما ورد "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" ولإحياء حق المسجد ولماله من الجوار وإن كان في جواره مسجد ليس فيه جماعة وبصلاته فيه يحصل الجماعة كان فعلها في مسجد الجوار أفضل لما فيه من عمارة المسجد وإحيائه بالجماعة وأما لو كان إذا صلى في مسجد الجوار صلى وحده فالبعيد أفضل ولو كان إذا صلى في بيته صلى جماعة وإذا صلى في المسجد صلى وحده ففي بيته أفضل.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
قال بعضهم : جار المسجد أربعون داراً من كل جانب.
وقيل : جار المسجد من سمع النداء.
قال في مجمع الفتاوى : رجل لو كان في جواره مسجدان يصلي في أقدمهما لأن له زيادة حرمة وإن كانا سواء أيهما أقرب يصلي هناك وإن كان فقيهاً يذهب إلى الذي قومه أقل حتى يكثر بذهابه وإن لم يكن فقيهاً يخير قالوا : كل ما فيه الجماعة كالفرائض والتراويح فالمسجد فيه أفضل فثواب المصلين في البيت بالجماعة
٣٧٥


الصفحة التالية
Icon