دون ثواب المصلين في المسجد بالجماعة وفي الحديث :"صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفاً" وفي رواية "سبعة وعشرين" وذلك لأن فرائض اليوم والليلة سبع عشرة ركعة والرواتب عشر فالجميع سبع وعشرون.
وأكثر العلماء على أن الجماعة واجبة.
قال بعضهم : سنة مؤكدة وفي الحديث :"لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس وأنظر إلى أقوام يتخلفون عن الجماعة فاحرّق بيوتهم" وهذا يدل على جواز إحراق بيت المتخلف عن الجماعة لأن الهم على المعصية لا يجوز من الرسول عليه السلام لأنه معصية فإذا جاز إحراق البيت على ترك الواجب أو السنة المؤكدة فما ظنك في ترك الفرض وفي الحديث :"بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" وفيه إشارة إلى أن كل ظلمة ليست بعذر لترك الجماعة بل الظلمة الشديدة وإطلاق اللفظ يشعر بأن المتحري للأفضل ينبغي أن لا يتخلف عن الجماعة بأي وجه كان إلا أن يكون العذر ظاهراً والأعذار التي تبيح التخلف عن الجماعة هي المرض الذي يبيح التيمم ومثله كونه مقطوع اليد والرجل من خلاف أو مفلوجاً أو لا يستطيع المشي أو أعمى والمطر والطين والبرد الشديد والظلمة الشديدة في الصحيح وكذا الخوف من السلطان أو غيره من المتغلبين جعلنا الله وإياكم ممن قام بأمره في جميع عمره ﴿وَكُلَّ شَىْءٍ﴾ من الأشياء كائناً ما كان سواء كان ما يصنعه الإنسان أو غيره وهو منصوب بفعل مضمر يفسره قوله :﴿أَحْصَيْنَـاهُ﴾ ضبطناه وبيناه.
قال ابن الشيخ : أصل الإحصاء العد ثم استعير للبيان والحفظ لأن العد يكون لأجلهما.
وفي "المفردات" الإحصاء التحصيل بالعدد يقال : أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصى واستعمال ذلك فيه لأنهم كانوا يعتمدون عليه في العد اعتمادنا فيه على الأصابع ﴿فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ أصل عظيم الشان مظهر لجميع الأشياء مما كان وما سيكون وهو اللوح المحفوظ سمي إماماً لأنه يؤتم به ويتبع.
قال الراغب : الإمام المؤتم به إنساناً كان يقتدي بقوله وبفعله أو كتاباً أو غير ذلك محقاً كان أو مبطلاً وجمعه أئمة نحو قوله تعالى :﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسا بِإِمَـامِهِمْ﴾ (الإسراء : ٧١) أي : بالذي يقتدون به وقيل بكتابهم ﴿وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَـاهُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ فقد قيل : إشارة إلى اللوح المحفوظ انتهى.
وفي الأحصاء ترغيب وترهيب فإن المحصى لم يصح منه الغفلة في حال من الأحوال بل راقب نفسه في كل وقت ونفس وحركة وسكنة.
وخاصية هذا الاسم تسخير القلوب فمن قرأه عشرين مرة على كل كسرة من الخبز والكسر عشرون فإنه يسخر له الخلق.
فإن قيل : ما فائدة تسخير الخلق؟ قلت : دفع المضرة أو جلب المنفعة وأعظم المنافع التعليم و"الإرشاد" واختار بعض الكبار ترك التصرف والالتفات إلى جانب الخلق بضرب من الحيل فإن الله تعالى يفعل ما يريد والأهم تسخير النفس الأمارة حتى تنقاد للأمر وتطيع للحق فمن لم يكن له أمارة على نفس كان ذليلاً في الحقيقة وإن كان مطاعاً في الظاهر.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
وفي "التأويلات النجمية" ﴿وَكُلَّ شَىْءٍ﴾ مما يتقربون به إلينا ﴿أَحْصَيْنَـاهُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ أي : أثبتنا آثاره وأنواره في لوح محفوظ قلوب أحبابنا انتهى.
واعلم أن قلب الإنسان الكامل اسم مبين ولوح إلهي فيه أنوار الملكوت منتقشة وأسرار الجبروت منطبعة مما كان في حد البشر دركه وطوق العقل الكلي كشفه وإنما يحصل هذا بعد التصفية بحيث لم يبق في القلب
٣٧٦
صورة ذرة مما يتعلق بالكونين ومعنى التصفية إزالة المتوهم ليظهر المتحقق فمن لم يدر المتوهم من المتحقق حرم من المتحقق، قال المولى الجامي قدس سره :
سككى مى شد استخوان بدهان
كرده رد بر كنار آب روان
بسكه آن آب صاف وروشن بود
عكس آن استخوان در آب نمود
برد بياره سك كمان كه مكر
هست در آب استخوان دكر
لب و بكشاد سوى آن بستاد
استخوان ازدهان در آب فتاد
نيست را هستى توهم كرد
بهر آن نيست هست راكم كرد
فعلى العاقل أن يجلو المرآة ليظهر صورة الحقيقة وحقيقة الوجود ويحصل كمال العيان والشهود نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل الصفوة ويحفظنا من الكدورات والهفوة إنه غاية المقصود ونهاية الأمل من كل علم وعمل.
﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُوا وَءَاثَارَهُمْ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَـاهُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ * وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا أَصْحَـابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّآ إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤


الصفحة التالية
Icon