﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا أَصْحَـابَ الْقَرْيَةِ﴾ إلى قوله : خامدون يشير إلى أصناف ألطافه مع أحبائه وأنواع قهره مع أعدائه كما في "التأويلات النجمية" أمر الله تعالى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلّم بإنذار مشركي مكة بتذكيرهم قصة أصحاب القرية ليحترزوا عن أن يحل بهم ما نزل بكفار أهل تلك القرية.
قال في "الإرشاد" ضرب المثل يستعمل على وجهين : الأول في تطبيق حالة غريبة بحالة أخرى مثلها فالمعنى اجعل أصحاب القرية مثلاً لأهل مكة في الغلو في الكفر والإصرار على تكذيب الرسل أي : طبق حالهم بحالهم على أن مثلاً مفعول ثان وأصحاب القرية مفعوله الأول أخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه.
والثاني في ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها فالمعنى اذكر وبين لهم قصة هي في الغرابة كالمثل فقوله أصحاب القرية أي : مثل أصحاب القرية على تقدير المضاف كقوله :﴿وَسْـاَلِ الْقَرْيَةَ﴾ (يوسف : ٨٢) وهذا المقدر بدل من الملفوظ أو بيان له.
والقرية انطاكية من قرى الروم وهي بالفتح والكسر وسكون النون وكسر الكاف وفتح الياء المخففة قاعدة بلاد يقال لها العواصم وهي ذات عين وسور عظيم من صخر داخله خمسة أجبل دورها اثنا عشر ميلاً كما في "القاموس" ويقال لها انتاكية بالتاء بدل الطاء وهو المسموع من لسان الملك في قصة ذكرت في "مشارع الأشواق".
قال الإمام السهيلي : نسبت انطاكية إلى انطقيس وهو اسم الذي بناها ثم غيرت.
وفي "التكملة" وكانت قصتهم في أيام ملوك الطوائف.
وفي "بحر العلوم" انطاكية من مدائن النار بشهادة النبي عليه السلام حيث قال :"أربع مدائن من مدائن الجنة مكة والمدينة وبيت المقدس وصنعاء اليمن وأربع مدائن من مدائن النار أنطاكية وعمورية وقسطنطينية وظفار اليمن" وهو كقطام بلد باليمن قرب صنعاء إليه ينسب الجزع وهو بالفتح خرز فيه سواد وبياض يشبه به الأعين وكانت انطاكية إحدى المدن الأربع التي يكون فيها بطارقة النصارى وهي انطاكية والقدس والاسكندرية ورومية ثم بعدها قسطنطينية.
قال في "خريدة العجائب" : رومية الكبرى مدينة عظمية في داخلها كنيسة عظيمة طولها ثلاثمائة ذراع وأركانها من نحاس مفرع مغطى كلها بالنحاس الأصفر وبها كنيسة أيضاً بنيت على هيئة بيت المقدس وبها ألف حمام وألف فندق وهو الخان ورومية أكبر من أن يحاط بوصفها ومحاسنها وهي
٣٧٧
للروم مثل مدينة فرانسة للافرنج كرسي ملكهم ومجتمع أمرهم وبيت ديانتهم وفتحها من اشراط الساعة ﴿إِذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ بدل من أصحاب القرية بدل الاشتمال لاشتمال الظروف على ما حل فيها كأنه قيل واجعل وقت مجيىء المرسلين مثلاً أو بدل من المضاف المقدر كأنه قيل واذكر لهم وقت مجيىء المرسلين وهم رسل عيسى عليه السلام إلى أهل انطاكية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤


الصفحة التالية
Icon