﴿إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ﴾ بدل من إذ الأولى أي : وقت أرسلنا اثنين إلى أصحاب القرية وهما يحيى ويونس ونسبة إرسالهما إليه تعالى بناء على أنه بأمره تعالى فكانت الرسل رسل الله.
ويؤيده مسألة فقهية وهي أن وكيل الوكيل بإذن الموكل بأن قال الموكل له اعمل برأيك يكون وكيلاً للموكل لا للوكيل حتى لا ينعزل بعزل الوكيل إياه وينعزل إذا عزله الموكل الأول ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾ أي : فأتياهم فدعواهم إلى الحق فكذبوهما في الرسالة بلا تراخ وتأمل وضربوهما وحبسوهما على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما وسيأتي ﴿فَعَزَّزْنَا﴾ أي : قويناهما فحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولأن القصد ذكر المعزز به وبيان تدبيره اللطيف الذي به عز الحق وذل الباطل يقال عزز المطر الأرض إذا لبدها وسددها وأرض عزاز أي : صلبة وتعزز اللحم اشتد وعز كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه.
وفي "تاج المصادر" (التعزيز والتعزة : ليرومنكد كردند) ومنه الحديث "إنكم لمعزز بكم" أي : مشدد (وفرونشاند باران زمين را) انتهى ﴿بِثَالِثٍ﴾ هو شمعون الصفار ويقال له شمعون الصخرة أيضاً رئيس الحواريين وقد كان خليفة عيسى عليه السلام بعد رفعه إلى السماء.
قال في "التكملة" : اختلف في المرسلين الثلاثة فقيل : كانوا أنبياء رسلاً أرسلهم الله تعالى وقيل : كانوا من الحواريين أرسلهم عيسى بن مريم إلى أهل القرية المذكورة ولكن لما كان إرساله إياهم عن أمره أضاف الإرسال إليه انتهى علم منه أن الحواريين لم يكونوا أنبياء لا في زمان عيسى ولا بعد رفعه وإليه الإشارة بقوله عليه السلام :"ليس بيني وبينه نبي" أي : بين عيسى وإن احتمل أن يكون المراد النبي الذي يأتي بشريعة مستقلة وهو ينافي وجود النبي المقرر للشريعة المتقدمة ﴿فَقَالُوا﴾ أي : جميعاً ﴿إِنَّآ إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ﴾ مؤكدين كلامهم لسبق الإنكار لما أن تكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد كلمتهم.
قال في "كشف الأسرار" :(قصه آنست كه رب العالمين وحى فرستاد بعيسى عليه السلام كه من ترا بآسمان خواهم برد حواريان را يكان يكان ودوان دوان بشهرها فرست تا خلق را بدين حق دعوت كنند عيسى ايشانرا حاضر كرد ورئيس ومهترايشان شمعون وايشانرا يكان يكان ودوان دوان قوم بقوم فرستاد وشهر شهر ايشانرا نامزد مى زد وايشانرا كفت ون من بآسمان رفتم شماهر كجاكه معين كرده ام ميرويد ودعوت ميكنيد واكر زبان آن قوم ندانيد در آن راه كه ميرويد شمارا فرشته يش ايد جامى شراب بر دست نهاده از ان شراب نوراني بازخوريد تاز بان ان قوم بدانيد ودوكس را بشهر انطاكية فرستاد) وكانوا عبدة أصنام.
وقال أكثر أهل التفسير : ارسل إليهم عيسى اثنين قبل رفعه ولما أمرهما أن يذهبا إلى القرية قالا : يا نبي الله إنا لا نعرف لسان القوم فدعا الله لهما فناما بمكانهما فاستيقظا وقد حملتهما الملائكة وألقتهما إلى أرض أنطاكية فكلم كل واحد صاحبه بلغة القوم فلما قربا من المدينة رأيا شيخاً يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار الذي ينحت الأصنام وهو صاحب
٣٧٨
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
يس لأن الله تعالى ذكره في سورة يس في قوله تعالى :﴿وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ﴾ فسلما عليه فقال : من أنتما؟ فأخبراه بأنهما من رسل عيسى (آمده ايم تا شمارا بردين حق دعوت كنيم وراه راست وملت اك شما نماييم كه دين حق توحيداست وعبادت خداى يكتا ير كفت شمارا برراستى اين سخن هي معجزه هست كفتند آرى) نحن نشفي المريض ونبرىء الأكمه والأبرص بإذن الله وكان للرسل من المعجزة ما للأنبياء بدعاى عيسى (يركفت مرا سريست ديوانه وياخود دير كاه تاوى بيماراست ودرد وى علاج اطبانه ذيرد خواهم كه اورا به بينيد ايشانرا بخانه برد) فدعوا الله تعالى ومسحا المريض فقام بإذن الله صحيحاً :
قدم نهادي وبرهر دوديده جاكردى
بيكنفس دل بيمار را دوا كردى
فآمن حبيب وفشا الخبر وشفى على أيديهما خلق كثير وبلغ حديثهما إلى الملك واسمه بحناطيس الرومي او انطيخس او شلاحن فطلبهما فأتياه فاستخبر عن حالهما فقالا : نحن رسل عيسى ندعوك إلى عبادة رب وحده فقال : ألنا رب غير آلهتنا؟ قالا : نعم وهو من أوجدك وآلهتك، من آمن به دخل الجنة ومن كفر به دخل النار وعذب فيها أبداً فغضب وضربهما وحبسهما فانتهى ذلك إلى عيسى فأرسل ثالثاً وهو شمعون لينصرهما فإنه رفع بعده كما قاله البعض فجاء القرية متنكراً أي : لم يعرف حاله ورسالته وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا حديثه إلى الملك فأنس به وكان شمعون يظهر موافقته في دينه حيث كان يدخل معه على الصنم فيصلي ويتضرع وهو يظن أنه من أهل دينه كما قال الشيخ سعدي في قصة صنم سومنات لما دخل الكنيسة متنكراً وأراد أن يعرف كيفية الحال :
بتك را يكى بوسه دادم بدست
كه لعنت بروباد وبربت رست
بتقليد كافر شدم روز ند
برهمن شدم در مقالات زند


الصفحة التالية
Icon