فقال شمعون للملك يوماً : بلغني أنك حبست رجلين دعواك إلى إله غير إلهك فهل لك أن تدعوهما فأسمع كلامهما وأخاصمهما عنك فدعاهما.
وفي بعض الروايات لما جاء شمعون إلى انطاكية دخل السجن أولاً حتى انتهى إلى صاحبيه فقال لهما : ألم تعلما أنكما لا تطاعان إلا بالرفق واللطف :
و بينى كه جاهل بكين اندراست
سلامت بتسليم دين اندراست
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
قال : وأن مثلكما مثل امرأة لم تلد زماناً من دهرها ثم ولدت غلاماً فأسرعت بشأنه فأطعمته الخبز قبل أوانه فغص به فمات فكذلك دعوتكما هذا الملك قبل أوان الدعاء ثم انطلق إلى الملك يعني بعد التقرب إليه استدعاهما للمخاصمة فلما حضرا قال لهما شمعون : من أرسلكما؟ قالا : الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك فقال : صفاه وأوجزا قالا : يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال : وما برهانكما على ما تدعيانه قالا : ما يتمنى الملك فجيىء بغلام مطموس العينين أي : كان لا يتميز موضع عينيه من جبهته فدعوا الله حتى انشق له موضع البصر فأخذا بندقتين من الطين فوضعهما في حدقتيه فصارتا مقلتين ينظر بهما فتعجب الملك فقال له شمعون : أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف قال : ليس لي عنك سر مكتوم إن
٣٧٩
الهنا لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع ثم قال له الملك : إن هنا غلاماً مات منذ سبعة أيام كان لأبيه ضيعة قد خرج إليها وأهله ينتظرون قدومه واستأذنوا في دفنه فأمرتهم أن يؤخروه حتى يحضر أبوه فهل يحييه ربكما فأمر بإحضار ذلك الميت فدعوا الله علانية ودعا شمعون سراً فقام الميت حياً بإذن الله (كفت ون جانم از كالبد جدا كشت مرا بهفت وادىء آتش بكذرانيدند ازآنكه بكفر مرده ام) وأنا أنذركم عما أنتم فيه من الشرك فآمنوا (وكفت ابنك درهاى آسمان مى بينم كشاده وعيسى يغمبر ايستاده زير عرش واز بهر اين ياران شفاعت ميكند وميكويدكه بار خدايا ايشانرا نصرت ده كه ايشان رسولان من اند) حتى أحياني الله وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وكلمته وأن هؤلاء الثلاثة رسل الله قال الملك : ومن الثلاثة قال الغلام شمعون وهذان فتعجب الملك فلما رأى شمعون أن قول الغلام قد أثر في الملك أخبره بالحال وأنه رسول المسيح إليهم ونصحه فآمن الملك فقط كما حكاه القشيري خفية على خوف من عتاة ملئه وأصر قومه فرجموا الرسل بالحجارة وقالوا : إن كلمتهم واحدة وقتلوا حبيب النجار وأبا الغلام الذي أحيى لأنه أيضاً كان قد آمن ثم إن الله تعالى بعث جبريل فصاح عليهم صيحة فماتوا كلهم كما سيجيء تمام القصة.
وقال وهب بن منبه وكعب الأحبار : بل كفر الملك أيضاً وأصروا جميعاً هو وقومه على تعذيب الرسل وقتلهم ويؤيده حكاية تماديهم في اللجاج والعناد وركوبهم متن المكابرة في الحجاج ولو آمن الملك وبعض قومه كما قال بعضهم لكان الظاهر أن يظاهروا الرسل ويساعدوهم قبلوا في ذلك أو قتلوا كدأب النجار الشهيد ولم ينقل ذلك مع أن الناس على دين ملوكهم لا سيما بعد وضوح البرهان.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّآ إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ * قَالُوا مَآ أَنتُمْ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنزَلَ الرَّحْمَـانُ مِن شَىْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَآ إِلا الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ﴾.
﴿قَالُوا﴾ أي : أهل انطاكية الذين لم يؤمنوا مخاطبين للثلاثة ﴿مَآ أَنتُمْ إِلا بَشَرٌ﴾ آدمي ﴿مِّثْلُنَا﴾ هو من قبيل قصر القلب فالمخاطبون وهم الرسل لم يكونوا جاهلين بكونهم بشراً ولا منكرين لذلك لكنهم نزلوا منزلة المنكرين لاعتقاد الكفار أن الرسول لا يكون بشراً فنزلوهم منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوا التنافي بين الرسالة والبشرية فقلبوا هذا الحكم وعكسوه وقالوا : ما أنتم إلا بشر مثلنا أي : أنتم مقصورون على البشرية ليس لكم وصف الرسالة التي تدعونها فلا فضل لكم علينا يقتضي اختصاصكم بالرسالة دوننا ولو أرسل الرحمن إلى البشر رسلاً لجعلهم من جنس أفضل منهم وهم الملائكة على زعمهم ﴿وَمَآ أَنزَلَ الرَّحْمَـانُ مِن شَىْءٍ﴾ من وحي سماوي ومن رسول يبلغه فكيف صرتم رسلاً وكيف يجب علينا طاعتكم وهو تتمة الكلام المذكور لأنه يستلزم الإنكار أيضاً ﴿إِنْ أَنتُمْ﴾ أي : ما أنتم ﴿إِلا تَكْذِبُونَ﴾ في دعوى رسالته.
﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ﴾ بعلمه الحضوري ﴿إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ وإن كذبتمونا استشهدوا بعلم الله وهو يجري مجرى القسم في التوحيد مع ما فيه من تحذيرهم معارضة علم الله وزادوا اللام المؤكدة لما شاهدوا منهم من شدة الإنكار.