﴿وَمَا عَلَيْنَآ﴾ أي : من جهة ربنا ﴿إِلا الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ﴾ أي : إلا تبليغ رسالته تبليغاً ظاهراً مبيناً بالآيات الشاهدة بالصحة فإنه لا بد للدعوى من البينة وقد خرجنا من عهدته فلا مؤاخذة لنا بعد ذلك من جهة ربنا وليس في وسعنا إجباركم على الإيمان ولا أن نوقع
٣٨٠
في قلوبكم العلم بصدقنا فإن آمنتم وإلا فينزل العذاب عليكم وفيه تعريض لهم بأن إنكارهم للحق ليس لخفاء حاله وصحته بل هو مبني على محض العناد والحمية الجاهلية.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿وَمَا عَلَيْنَآ إِلا الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ * قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لئن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائرُكُم مَّعَكُمْ أَاـاِن﴾.
﴿قَالُوا﴾ لما ضاقت عليهم الحيل ولم يبق لهم علل ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ أصل التطير التفاؤل بالطير فإنهم يزعمون أن الطائر السانح سبب للخير والبارح سبب للشر كما سبق في النمل ثم استعمل في كل ما يتشاءم به والمعنى إنا تشاءمنا بكم جرياً على ديدن الجهلة حيث كانوا يتيمنون بكل ما يوافق شهواتهم وإن كان مستجلباً لكل شر ووبال ويتشاءمون بكل ما لا يوافقها وإن كان مستتبعاً لسعادة الدارين.
وقال النقشبندي : قد تشاءمنا بقدومكم إذ منذ قدمتم إلى ديارنا ما نزل القطر علينا وما أصابنا هذا الشر إلا من قبلكم اخرجوا من بيننا وارجعوا إلى أوطانكم سالمين وانتهوا عن دعوتكم ولا تتفوهوا بها بعد.
وكان عليه السلام يحب التفاؤل ويكره التطير والفرق بينهما أن الفأل إنما هو من طريق حسن الظن بالله والتطير إنما هو من طريق الاتكال على شيء سواه وفي الخبر لما توجه النبي عليه السلام نحو المدينة لقي بريدة بن أسلم فقال :"من أنت يا فتى" قال بريدة فالتفت عليه السلام إلى أبي بكر فقال :"برد أمرنا وصلح" أي : سهل ومنه قوله :"الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة" ثم قال عليه السلام :"ابن من أنت يا فتى" قال : ابن أسلم فقال عليه السلام لأبي بكر رضي الله عنه :"سلمنا من كيدهم".
وفي الفقه : لو صاحت الهامة أو طير آخر فقال : رجل يموت المريض يكفر ولو خرج إلى السفر ورجع فقال : ارجع لصياح العقعق كفر عند البعض وفي الحديث :"ليس عبد إلا سيدخل في قلبه الطيرة فإذا أحس بذلك فليقل أنا عبد الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله لا يأتي بالحسنات إلا الله ولا يذهب بالسيآت إلا الله أشهد أن الله على كل شيء قدير ثم يمضي بوجهه" يعني : يمضي مارّاً بوجهه أي : بجهة وجهه فعدى يمضي بالباء لتضمين معنى المرور قالوا : من تطير تطيراً منهياً عنه حتى منعه مما يريده من حاجته فإنه قد يصيبه ما يكرهه كما في "عقد الدر" ﴿لَـاـاِن لَّمْ تَنتَهُوا﴾ والله لئن لم تمتنعوا عن مقالتكم هذه ولم تسكتوا عنا وبالفارسية :(واكر نه باز ايستيد ازدعواى خود) ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾ (الرجم : سنكسار كردن) أي : لنرمينكم بالحجارة ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (وبشما رسد ازما عذابى دردنماى) أي : لا نكفي برجمكم بحجر أو حجرين بل نديم ذلك عليكم إلى الموت وهو العذاب الأليم أو ليمسنكم بسبب الرجم منا عذاب مؤلم.
وفسر بعضهم الرجم بالشتم فيكون المعنى لا نكتفي بالشتم بل يكون شتمنا مؤدياً إلى الضرب والإيلام الحسي.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
ـ حكي ـ أن دباغاً مر بسوق العطارين فغشي عليه وسقط فاجتمع عليه أهل السوق وعالجوه بكل ما يمكن من الأشياء العطرة فلم يفق بل اشتد عليه الحال ولم يدر أحد من أين صار مصروعاً ثم أخبر أقرباؤه بذلك فجاء أخوه وفي كمه شيء من نجاسة الكلب فسحقه حتى إذا وصلت رائحته إلى شمه أفاق وقام وهكذا حال الكفار كما قال جلال الدين قدس سره في "المثنوي" :
ناصحان او را بغنبر يا كلاب
مى دوا سازند بهر فتح باب
مر خبيثانرا نشايد طيبات
درخور ولايق نباشد اى ثقات
ون زعطر وحى كم كشتندوكم
بدفغان شان كه تطيرنا بكم
٣٨١
رنج بيماريست مارا زين مقال
نيست نيكو وعظمتان مارا بفال
كر بيا غازيد نصحى آشكار
ماكنيم آن دم شمارا سنكسار
ما بلغو ولهو فربه كشته ايم
در نصيحت خويش را نسرشته ايم
هست قوت ما دروغ ولاف ولاغ
شورش معده است مارازين بلاغ
هركرا مشك نصيحت سودنيست
لا جرم بابوى بدخو كردنيست
مشركانرازان نجس خواندست حق
كاندرون شك زادند از سبق
كرم كوزادست در سركين ابد
مى نكرداند بعنبر خوى خود