﴿قَالُوا﴾ أي : المرسلون لأهل أنطاكية ﴿طَائرُكُم﴾ أي : سبب شؤمكم ﴿مَّعَكُمْ﴾ لا من قبلنا وهو سوء اعتقادكم وقبح أعمالكم فالطائر بمعنى ما يتشاءم به مطلقاً ﴿أَإِن ذُكِّرْتُم﴾ بهمزتين استفهام وشرط أي : وعظتم بما فيه سعادتكم وخوّفتم وبالفارسية :(آيا اكر ند داده مى شويد) وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه أي : تطيرتم أو توعدتم بالرجم والتعذيب ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ إضراب عما تقتضيه الشرطية من كون التذكير سبباً للشؤم أو مصححاً للتوعد أي : ليس الأمر كذلك بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان والتجاوز فيه عن الحد فلذلك أتاكم الشؤم أو في الظلم والعدوان ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب إكرامه والتبرك به.
وهؤلاء القوم في الحقيقة هم النفس وصفاتها فإن أسرفت في موافقة الطبع ومخالفة الحق فكل من كان في يد مثل هذه النفس فهو لا يبالي بالوقوع في المهالك ولا يزال يدعو الناس إلى ما سلكه من شر المسالك :
هركرا باشد مزاج وطبع سست
او نخواهد هي كس راتن درست
وكل من تخلص عنها وزكاها أفلح هو ومن تبعه ولذا وعظ الأنبياء والأولياء وذكروا ونبهوا الناس على خطاهم وإسرافهم وردوهم عن طريقة أسلافهم ولكن الذكرى إنما تنفع المؤمنين.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
ـ حكي ـ أن غلام الخليل سعى بالصوفية إلى خليفة بغداد وقال : إنهم زنادقة فاقتلهم ولك ثواب جزيل فأحضرهم الخليفة وفيهم الجنيد والشبلي والنوري فأمر بضرب أعناقهم فتقدم أبو الحسين النوري فقال السياف : أتدري إلى ما تبادر؟ فقال : نعم فقال : وما يعجلك فقال : أوثر أصحابي بحياة ساعة فتحير السياف وأنهى الأمر إلى الخليفة فتعجب الخليفة ومن عنده من ذلك فأمر بأن يختبر القاضي حالهم فقال القاضي : يخرج إليّ واحد منهم حتى أبحث معه فخرج إليه أبو الحسين النوري فألقى إليه القاضي مسائل فقهية فالتفت عن يمينه ثم التفت عن يساره ثم أطرق ساعة ثم أجابه عن الكل ثم أخذ يقول وبعد فإنعباداً إذا قاموا قاموا بالله وإذا نطقوا نطقوا بالله وسرد كلاماً أبكى القاضي ثم سأله القاضي عن التفاته فقال : سألتني عن المسائل ولا أعلم لها جواباً فسألت عنها صاحب اليمين فقال : لا علم لي ثم سألت صاحب الشمال فقال : لا علم لي فسألت قلبي فأخبرني قلبي عن ربي فأجبتك بذلك فأرسل القاضي إلى الخليفة إن كان هؤلاء زنادقة فليس على وجه الأرض مسلم (خليفه ايشانرا بخواند وكفت حاجتى خواهيد كفتند حاجت ما آنست كه مارا فراموش كنى نه بقبول خود مارا
٣٨٢
مشرف كردانى نه برد مهجوركه مارا رد توون قبول تست خليفه بسيار بكريست وايشانرا با كرامى تمام روانه كرد ون درنهاد خليفه وقاضي عدل وإنصاف سرشته مى شد لا جرم بجانب حق ميل كردند ودرحق صوفيه محققين طريقه ظلم وإسراف سالك نشدند) عصمنا الله وإياكم من مخالفة الحق الصريح بعد وضوحه بالبرهان الصحيح.
﴿قَالُوا طَائرُكُم مَّعَكُمْ أَاـاِن ذُكِّرْتُما بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لا يَسْـاَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ * وَمَا لِىَ لا أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
﴿وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ﴾ أبعد جوانب أنطاكية وبالفارسية :(وآد ازدورتر جايى ازان شهر) ﴿رَجُلٌ﴾ فيه إشارة إلى رجولية الجائي وجلادته وتنكيره لتعظيم شأنه لا لكونه رجلاً منكوراً غير معلوم فإنه رجل معلوم عند الله تعالى وكان منزله عند أقصى باب في المدينة وفي مجيئه من أقصى المدينة بيان لكون الرسل أتوا بالبلاغ المبين حتى بلغت دعوتهم إلى أقصى المدينة حيث آمن الرجل وكان دور السور اثني عشر ميلاً كما سبق ﴿يَسْعَى﴾ حال كونه يسرع في مشيه فإن السعي المشي السريع وهو دون العدو كما في "المفردات" والمراد حبيب بن مرى النجار المشهور عند العلماء بصاحب يس كما سبق وجهه.
وفي بعض التواريخ كان من نسل الاسكندر الرومي وإنما سمي حبيب النجار لأنه كان ينحت أصنامهم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤