﴿اتَّبِعُوا مَن لا يَسْـاَلُكُمْ﴾ (نمى خواهند ازشما) ﴿أَجْرًا﴾ أجرة ومالاً على النصح وتبليغ الرسالة ﴿وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ إلى خير الدين والدنيا والمهتدي إلى طريق الحق الموصل إلى هذا الخير إذا لم يكن متهماً في الدعوة يجب اتباعه وإن لم يكن رسولاً فكيف وهم رسل ومهتدون ومن قال الايغال هو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها تكون الآية عنده مثالاً له لأن قوله وهم مهتدون مما يتم المعنى بدونه لأن الرسول مهتد لا محالة إلا أن فيه زيادة حث على اتباع الرسل وترغيب فيه فقوله : من لا يسألكم بدل من المرسلين معمول لاتبعوا الأول والثاني تأكيد لفظ للأول.
قال في "الإرشاد" : تكرير للتأكيد وللتوسل به إلى وصفهم بما يرغبهم في اتباعهم من التنزه عن الغرض الدنيوي والاهتداء إلى خير الدنيا والدين انتهى.
وفيه ذم للمتشيخة المزوّرين الذين يجمعون بتلبيساتهم أموالاً كثيرة من الضعفاء الحمقى المائلين نحو أباطيلهم كما في "التأويلات النقشبندية" :
ره كاروان شير مردان زنند
ولى جامه مردم اينان كنند
٣٨٤
عصاى كليمند بسيار خوار
بظاهر نين زرد روى ونزار
(ون حبيب آن قوم را نصيحت كرد ايشان كفتند) وأنت مخالف لديننا ومتابع لهؤلاء الرسل فقال :
﴿اتَّبِعُوا مَن لا يَسْـاَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ * وَمَا لِىَ لا أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِه ءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـانُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّى شَفَـاعَتُهُمْ شَيْـاًا وَلا يُنقِذُونِ * إِنِّى إِذًا لَّفِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿مَالِيَ﴾ وأي شيء عرض لي ﴿لا أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى﴾ خلقني وأظهرني من كتم العدل ورباني بأنواع اللطف والكرم وقد سبق الفطر في أول فاطر وهذا تلطف في "الإرشاد" بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح حيث أراهم أنه اختار لهم ما يختار لنفسه والمراد لنفسه والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره كما ينبىء عنه قوله :﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ مبالغة في التهديد أي : إليه تعالى لا إلى غيره تردون أيها القوم بعد البعثة للمجازاة أو للمحاسبة.
قال في "فتح الرحمن" : أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم لأن الفطرة أثر النعمة وكانت عليه أظهر وفي الرجوع معنى الزجر وكان بهم أليق.
قال بعض العارفين العبودية ممزوجة بالفطرة والمعرفة فوق الخلقة والفطرة وهذا المعنى مستفاد من قول النبي عليه السلام :"كل مولود يولد على الفطرة" ولو كانت المعرفة ممزوجة بالفطرة لما قال :"وأبواه يهودانه ويمجسانه وينصرانه" بل المعرفة تتعلق بكشف جماله وجلاله صرفاً بالبديهة بغير علة واكتساب لقوله :﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَه مِن قَبْلُ﴾ (الأنبياء : ٥١).
قال بعضهم : العبد الخالص من عمل على رؤية الفطرة لا غير وأجل منه من يعمل على رؤية الفاطر ثم عاد على المساق الأول وهو إبراز الكلام في صورة النصيحة لنفسه فقال :
﴿ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ﴾ أي : دون الذي فطرني وهو الله تعالى ﴿ءَالِهَةً﴾ باطلة وهي الأصنام وهو إنكار ونفي لاتخاذ الآلهة على الإطلاق أي : لا أتخذ ثم استأنف لتعليل النفي فقال :﴿إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـانُ بِضُرٍّ﴾ يعني :(اكرخواهد رحمن ضررى بمن رسد) والضر اسم لكل سوء ومكروه يتضرر به ﴿لا تُغْنِ عَنِّى شَفَـاعَتُهُمْ﴾ أي : الآلهة ﴿شَيْـاًا﴾ أي : لا تنفعني شيئاً من النفع إذ لا شفاعة لهم فتنفع فنصب شيئاً على المصدرية وقوله : لا تغن جواب الشرط والجملة الشرطية استئناف لا محل لها من الإعراب ﴿وَلا يُنقِذُونِ﴾ الإنقاذ التخليص أي : لا يخلصونني من ذينك الضر والمكروه بالنصرة والمظاهرة وهو عطف على لا تغن وعلامة الجزم حذف نون الإعراب لأن أصله لا ينقذونني وهو تعميم بعد تخصيص مبالغة بهما في عجزه وانتفاء قدرتهم.
قال الإمام السهيلي : ذكروا أن حبيباً كان به داء الجذام فدعا له الحواري فشفي فلذلك قال : إن يردن الرحمن الخ انتهى.
وقال بعضهم : إن المريض كان ابنه كما سبق إلا أن يقال لا مانع من ابتلاء كليهما أو أن مرض ابنه في حكم مرض نفسه فلذا أضاف الضر إلى نفسه ويحتمل أن الضر ضر القوم لأنه روى شفاء كثير من مرضاهم على يدي الرسل فأضافه حبيب إلى نفسه على طريقة ما قبله من الاستمالة وتعريفاً للإحسان بهم بطريق اللطف.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿إِنِّى إِذًا﴾ أي : إذا اتخذت من دونه آلهة ﴿لَّفِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾ فإن إشراك ما ليس من شأنه النفع ولا دفع الضر بالخالق المقتدر الذي لا قادر غيره ولا خير إلا خيره ضلال بين لا يخفى على أحد ممن له تمييز في الجملة.
﴿إِنِّى إِذًا لَّفِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ * إِنِّى ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَا قَالَ يا لَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى﴾.


الصفحة التالية
Icon