﴿وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ﴾ أي : قوم حبيب وهم أهل أنطاكية ﴿مِنا بَعْدِهِ﴾ أي : من بعد قتله ﴿مِن جُندٍ﴾ (عسكر) ﴿مِّنَ السَّمَآءِ﴾ لإهلاكهم والانتقام منهم كما فعلناه يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك ﴿وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ﴾ وما صح في حكمتنا أن ننزل لإهلاك قومه جنداً من السماء لما أن قدرنا لكل شيء سبباً حيث أهلكنا بعض الأمم بالحاصب وبعضهم بالصيحة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالإغراق وجعلنا إنزال الجند من السماء من خصائصك في الانتصار من قومك.
وفي الآية استحقار لأهل أنطاكية ولإهلاكهم حيث اكتفى في استئصالهم بما يتوسل به إلى زجر نحو الطيور والوحوش من صيحة عبد واحد مأمور وإيماءً إلى تفخيم شأن الرسول عليه السلام لأنه إذا كان أدنى صيحة ملك واحد كافياً في إهلاك جماعة كثيرة ظهر أن إنزال الجنود من السماء يوم بدر والخندق لم يكن إلا تعظيماً لشأنه وإجلالاً لقدره لا لاحتياج الملائكة إلى المظاهرة والمعاونة فإنه قيل كما لم ينزل عليهم جنداً من السماء لم يرسل إليهم جنداً من الأرض أيضاً فما فائدة قوله من السماء فالجواب أنه ليس للاحتراز بل لبيان أن النازل عليهم من السماء لم يكن إلا صيحة واحدة أهلكتهم بأسرهم.
﴿إِن كَانَتْ﴾ أي : ما كانت الأخذة أو العقوبة على أهل أنطاكية ﴿إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ (مكر يك فرياد كه جبرائيل هردوبازى درشهر ايشان كرفته صيحه زد) ﴿فَإِذَا هُمْ﴾ (س آنجا ايشان) ﴿خَـامِدُونَ﴾ ميتون لا يسمع لهم حس ولا يشاهد لهم حركة شبهوا بالنار الخامدة رمزاً إلى أن الحي كالنار الساطعة في الحركة والالتهاب والميت كالرماد يقال خمدت النار سكن لهبها ولم ينطفىء جمرها وهمدت إذا طفىء جمرها.
قال في "الكواشي" : لم يقل هامدون وإن كان أبلغ لبقاء أجسادهم بعد هلاكهم ووقعت الصيحة في اليوم الثالث من قتل
٣٨٨
حبيب والرسل أو في اليوم الذي قتلوهم فيه.
وفي رواية في الساعة التي عادوا فيها بعد قتلهم إلى منازلهم فرحين مستبشرين وإنما عجل الله عقوبتهم غضباً لأوليائه الشهداء فإنه تعالى يغضب لهم كما يغضب الأسد لجروه نسأل الله أن يحفظنا من موجبات غضبه وسخطه وعذابه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} المصرين على العناد تعالى فهذه من الأحوال التي حقها أن تحضري فيها وهي ما دل عليه قوله تعالى :﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلا كَانُوا بِه يَسْتَهْزِءُونَ﴾ فإن المستهزئين بالناصحين الذين نيطت بنصائحهم سعادة الدارين أحقاء بأن يتحسروا ويتحسر عليهم المتحسرون وقد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنين من الثقلين فقوله : يا حَسْرَةً} نداء للحسرة عليهم والحسرة وهي أشد الغم والندامة على الشيء الفائت لا تدعي ولا يطلب إقبالها لأنها مما لا تجيب والفائدة في ندائها مجرد تنبيه المخاطب وإيقاظه ليتمكن في ذهنه أن هذه الحالة تقتضي الحسرة وتوجب التلهف فإن العرب تقول يا حسرة يا عجباً للمبالغة في الدلالة على أن هذا زمان الحسرة والتعجب والنداء عندهم يكون لمجرد التنبيه.
وقد جوز أن يكون تحسراً عليهم من جهة الله بطريق الاستعارة لتعظيم ما جنوه على أنفسهم شبه استعظام الله لجنايتهم على أنفسهم بتحسر الإنسان على غيره لأجل ما فاته من الدولة العظمى من حيث أن ذلك التحسر يستلزم استعظام ما أصاب ذلك الغير والإنكار على ارتكابه والوقوع فيه ويؤيده قراءة يا حسرتا لأن المعنى يا حسرتي ونصبها لطولها بما تعلق بها من الجار أي : لكونها مشابهة بالمنادي المضاف في طولها بالجار المتعلق.
وفي "بحر العلوم" قوله :﴿مَا يَأْتِيهِم﴾ الخ حكاية حال ماضية مستمرة أي : كانوا في الدنيا على الاستمرار يستهزئون بمن يأتيهم من الرسول من غاية الكبر ويستحقرون ويستنكفون عن قبول دينه ودعوته وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عن استهزاء قومه.
وفي "تفسير العيون" قوله : يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} بيان حال استهزائهم بالرسل أي : يقال يوم القيامة يا حسرة وندامة على الكفار حيث لم يؤمنوا برسلهم وقوله :﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلا كَانُوا بِه يَسْتَهْزِءُونَ﴾ تفسير لسبب الحسرة النازلة بهم وفي الحديث "إن المستهزئين بالناس في الدنيا يفتح لهم يوم القيامة باب من أبواب الجنة فيقال لهم هلم هلم فيأتيه أحدهم بكربه وغمه فإذا أتاه أغلق دونه فلا يزال يفعل به ذلك حتى يفتح له الباب فيدعى إليه فلا يجيب من الإياس".
وقال مالك بن دينار قرأت في زبور داود طوبى لمن لم يسلك سبيل الآثمين ولم يجالس الخاطئين ولم يدخل في هزؤ المستهزئين، وفي "المثنوي" :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
اره دوزى ميكنى اندر دكان
زير اين دكان تو مدفون دو كان
هست اين دكان كر آيى زودباش
تيشه بستان وتكش را مى تراش
تاكه تيشه ناكهان بر كان نهى
ازد كان واره دوزى وارهى
اره دوزى يست خورد آب ونان
مى زنى اين اره بر دلق كران