واعلم أنه غلبت على أهل زماننا مخالفة أهل الحق ومعاداة أولياء الله واستهزاؤهم ألا ترون أنهم يستمعون القول من المحققين فيتبعون أقبحه ويقعون في أولياء الله ويستهزئون بهم وبكلماتهم المستحسنة إلا من يشاء الله به خيراً من أهل النظر وأرباب الإرادة وقليل ما هم فكما أن الله تعالى هدد كفار الشريعة في هذا المقام من طريق العبارة كذلك هدد كفار الحقيقة من طريق الإشارة فإنه لم يفت منهم أحد ولم ينفلت من قبضة القدرة إلى يومنا هذا ولم يكن لواحد منهم عون ولا مدد وكلهم رجعوا إليه وأحضروا لديه وعوتبوا بل عوقبوا على ما هم عليه.
ثم اعلم أن الله تعالى جعل هذه الأمة آخر الأمم فضلاً منه وكرماً ليعتبروا بالماضين وما جعلهم عبرة لأمة أخرى وأنه تعالى قد شكا لهم من كل أمة وما شكا إلى أحد من غيرهم شكايتهم إلا ما شكا إلى نبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلّم ليلة المعراج كما قال عليه السلام :"شكا ربي من أمتي شكايات : الأولى : أني لم أكلفهم عمل الغد وهم يطلبون مني رزق الغد.
والثانية : أني لا أدفع أرزاقهم إلى غيرهم وهم يدفعون عملهم إلى غيري.
والثالثة : أنهم يأكلون رزقي ويشكرون غيري ويخونون معي ويصالحون خلقي.
والرابعة : أن العزة لي وأنا المعز وهم يطلبون العز من سواي.
والخامسة أني خلقت النار لكل كافر وهم يجتهدون أن يوقعوا أنفسهم فيها".
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
فغان از بديها كه در نفس ماست
نه فعل نكوهست نه كفتار راست
دوخواهنده بودن بمحشر فريق
ندانم كدامين دهندم طريق
خدايا دو شمم زباطل بدوز
بنورم كه فردا بنارت مسوز
﴿وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ * وَءَايَةٌ لَّهُمُ الارْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَـاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّـاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِه وَمَا عَمِلَتْهُ﴾.
﴿وَءَايَةٌ﴾ علامة عظيمة ودلالة واضحة على البعث والجمع والإحضار وهو خبر مقدم للاهتمام به وقوله ﴿لَهُمُ﴾ أي : لأهل مكة إما متعلق بآية لأنها بمعنى العلامة أو بمضمر هو صفة لها والمبتدأ قوله ﴿الارْضُ الْمَيْتَةُ﴾ اليابسة الجامدة وبالفارسية :(خشك وبى كياه) ﴿أَحْيَيْنَـاهَا﴾ استئناف مبين لكيفية كون الأرض الميتة آية كأن قائلاً قال كيف تكون آية
٣٩١
فقال : أحييناها والإحياء في الحقيقة إعطاء الحياة وهي صفة تقتضي الحس والحركة والمعنى ههنا هيجنا القوى النامية فيها وأحدثنا نضارتها بأنواع النباتات في وقت الربيع بإنزال الماء من بحر الحياة وكذلك النشور فإنا نحيى الأبدان البالية المتلاشية في الأجداث بإنزال رشحات من بحر الجود فنعيدهم أحياء كما أبدعناهم أولاً من العدم ﴿وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا﴾ أي : من الأرض ﴿حَبًّا﴾ الحب الذي يطحن والبزر الذي يعصر منه الدهن وهو جمع حبة والمراد جنس الحبوب التي تصلح قواماً للناس من الأرز والذرة والحنطة وغيرها ﴿فَمِنْهُ﴾ أي : فمن الحب ﴿يَأْكُلُونَ﴾ تقديم الصلة ليس لحصر جنس المأكول في الحب حتى يلزم أن لا يؤكل غيره بل هو لحصر معظم المأكول فيه فإن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به ومنه صلاح الإنس حتى إذا قلّ قلّ الصلاح وكثر الضر والصياح وإذا فقد فقد النجاح باختلال الأشباح والأرواح ولأمر مّا قال عليه السلام :"أكرموا الخبز فإن الله أكرمه فمن أكرم الخبز أكرمه الله" وقال عليه السلام :"أكرموا الخبز فإن الله سخر له بركات السموات والأرض والحديد والبقر وابن آدم ولا تسندوا القصعة بالخبز فإنه ما أهانه قوم إلا ابتلاهم الله بالجوع" وقال عليه السلام :"اللهم متعنا بالإسلام وبالخبز فلولا الخبز ما صمنا ولا صلينا ولا حججنا ولا غزونا وارزقنا الخبز والحنطة" كما في "بحر العلوم".
قال في "شرعة الإسلام" : ويكرم الخبز بأقصى ما يمكن فإنه يعمل في كل لقمة يأكلها الإنسان من الخبز ثلاثمائة وستون صانعاً أولهم ميكائيل الذي يكيل الماء من خزانة الرحمة ثم الملائكة التي تزجر السحاب والشمس والقمر والأفلاك وملائكة الهواء ودواب الأرض وآخرهم الخباز، قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
ابروباد ومه وخورشيد وفلك دركارند
تاتونانى بكف آرى وبغفلت نخورى
همه ازبهر توسر كشته وفرمان بردار
شرط انصاف نباشد كه توفرمان نبرى


الصفحة التالية
Icon