واعلم أن تفجير الأنهار والعيون في البلاد رحمة من الله تعالى على العباد إذ حياة كل شيء من الماء وللبساتين منه النضارة والنماء.
والعيون إما جارية وإما غير جارية والجارية غير الأنهار إذ هي أكثر وأوسع من العيون ومنبعها غير معلوم غالباً كالنيل المبارك حيث لم يوجد رأسه وغير الجارية هي الآبار.
وفي الدنيا عيون وآبار كثيرة وفي بعضها خواص زائدة كعين شبرم وهي بين أصفهان وشيراز وهي من عجائب الدنيا وذلك أن الجراد إذا وقعت بأرض يحمل إليها من ذلك العين ماء في ظرف أو غيره فيتبع ذلك الماء طيور سود تسمى السمرمر ويقال له السوادية بحيث أن حامل الماء لا يضعه إلى الأرض ولا يلتفت وراءه فتبقى تلك الطيور على رأس حامل الماء في الجو كالسحابة السوداء إلى أن يصل إلى الأرض التي بها الجراد فتصيح الطير عليها فتقتلها فلا يرى شيء من الجراد متحركاً بل يموت من أصوات تلك الطيور.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
يقول الفقير : في حد الروم أيضاً عين يقال لها ماء الجراد وهي مشهورة في جميع البلاد الرومية ينقل ماؤها من بلدة إلى بلدة القتل الجراد إذا استولت وقد حصلت تلك الخاصية لها بنفس من أنفاس بعض الأولياء وإن كان التأثير في كل شيء من الله تعالى ولهذا نظائر منها أن في قبر إبراهيم بن أدهم قدس سره ثقبة إذا قصد ظالم بسوء البلدة التي فيها ذلك القبر المنيف يخرج من تلك الثقبة نحل وزنابير تلسعه ومن يتبعه فيتفرقون، وفي "المثنوي" :
اولياراهست قوت ازآله
تير جسته باز كرداند زراه
نسأل الله العصمة والتوفيق والشرب من عين التحقيق.
﴿لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ﴾ متعلق بجعلنا وتأخيره عن تفجير العيون لأنه من مبادي الأثمار أي : وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب ورتبنا مبادي أثمارها ليأكلوا من ثمر ما ذكر من الجنات والنخيل ويواظبوا على الشكر أداء لحقوقنا ففيه إجراء الضمير مجرى اسم الإشارة ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ عطف على ثمره وأيديهم كناية عن القوة لأن أقوى جوارح الإنسان في العمل يده فصار ذكر اليد غالباً في الكناية ومثله ذلك بما قدمت أيديكم وفي كلام العجم (بدست خويش كردم بخويشتن) وأنت لا تنوي اليد بعينها كما في "كشف الأسرار" والمعنى وليأكلوا من الذي عملته أيديهم وهو ما يتخذ منه من العصير والدبس ونحوهما.
وقيل ما نافية والمعنى أن الثمر بخلق الله تعالى لا بفعلهم ومحل الجملة النصب على الحالية ويؤكد الأول قراءة عملت بلا هاء فإن حذف العائد من الصلة أحسن من الحذف من غيرها ﴿أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ إنكار واستقباح لعدم شكرهم النعم المعدودة والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي : يرون هذه النعم أو يتنعمون بها فلا يشكرونها بالتوحيد والتقديس والتحميد (صاحب بحر الحقائق فرموده كه معنى آيت بزبان اهل اشارت آنست كه زمين دلرازنده كرديم بباران عنايت وبيرون آورديم ازان حب طاعت تا ارواح ازان غذامى يابند وساختيم بوستانها ازنخيل اذكار واعناب أشواق وعيون حكمت دورى روان كرديم تا ازاثمار مكاشفات ومشاهدات تمتع مى كيرند از نتايج اعمال كه كرده اند از صدقات وخيرات آياساس دارى نميكنند يعنى ساس نمى بايد داشت برين نعم ظاهره وباطنه تا موجب مزيد آن شودكه) ﴿لَـاـاِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ﴾ (إبراهيم : ٧) :
٣٩٤
كر شكر كنى زياده كردد نعمت
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
وزدل ببرد دغدغه بيش وكمت
س زود بسر منزل مقصود رسى
از منهج شكر آكه نلغزد قدمت
﴿لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِه وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ * سُبْحَـانَ الَّذِى خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنابِتُ الارْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ * وَءَايَةٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا﴾.
﴿سُبْحَـانَ الَّذِى خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا﴾ سبحان علم للتسبيح الذي هو التبعيد عن السوء اعتقاداً وقولاً أي : اعتقاد البعد عنه والحكم به فإن العلم كما يكون علماً للأشخاص كزيد وعمرو وللأجناس كأسامة يكون للمعاني أيضاً لكن علم الأعيان لا يضاف وهذا لا يجوز بغير إضافة كما في الآية أقيم مقام المصدر وبين مفعوله بإضافته إليه والمراد بالأزواج الأصناف والأنواع جمع زوج بالفارسية :(جفت) خلاف الفرد ويقال للأنواع أزواج لأن كل نوع زوج بقسميه.
وفي سبحان استعظام ما ذكر في حيز الصلة من بدائع آثار قدرته وروائع نعمائه الموجبة للشكر وتخصيص العبادة به والتعجب من إخلال الكفرة بذلك والحالة هذه فإن التنزيه لا ينافي التعجب.
والمعنى أسبح الذي أوجد الأصناف والأنواع سبحانه أي : أنزهه عما لا يليق به عقداً وعملاً تنزيهاً خاصاً به حقيقاً بشأنه فهو حكم منه تعالى بتنزهه وبراءته عن كل ما لا يليق به كما فعله الكفار من الشرك وما تركوه من الشكر وتلقين للمؤمنين أن يقولوه ويعتقدوا مضمونه ولا يخلوا به ولا يغفلوا عنه.