﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ﴾ أي : لكفار مكة بطريق الإنذار وبالفارسية :(وون كفته شود مر كافرانراكه) ﴿اتَّقُوا﴾ (بترسيد) ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ أي : العقوبات النازلة على الأمم الماضية الذين كذبوا رسلهم واحذروا من أن ينزل بكم مثلها إن لم تؤمنوا جعلت الوقائع الماضية باعتبار تقدمها عليهم كأنها بين أيديهم ﴿وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ من العذاب المعد لكم في الآخرة بعد هلاككم جعلت أحوال الآخرة باعتبار أنها تكون بعد هلاكهم كأنها خلفهم أو ما بين أيديكم من أمر الآخرة فاعملوا لها وما خلفكم من الدنيا فلا تغتروا بها وقيل غير ذلك وما قدمناه أولى لأن الله خوف الكفار في القرآن بشيئين أحدهما العقوبات النازلة على الأمم الماضية والثاني عذاب الآخرة ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ إما حال من واو اتقوا أي : راجين أن ترحموا أو غاية لهم أي : كي ترحموا فتنجوا من ذلك لما عرفتم أن مناط النجاة ليس إلا رحمة الله وجواب إذا محذوف أي : اعرضوا عن الموعظة حسبما اعتادوه وتمرنوا عليه وزادوا مكابرة وعناداً كما دلت عليه الآية الثانية.
كسى راكه ندار در سر بود
مندار هركزكه حق بشنود
ز علمش ملال آيد ازوعظ ننك
شقايق بباران نرويد زسنك
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ أي : احذروا من الدنيا وما فيها من شهواتها ولذائذها ﴿وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ من الآخرة وما فيها من نعيمها وحورها وقصورها وأشجارها وأثمارها وأنهارها وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين منها ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ بمشاهدة الجمال ومكاشفة الجلال وكمالات الوصال.
وقال بعضهم :﴿اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ من أحوال القيامة الكبرى ﴿وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ من أحوال القيامة الصغرى فإن الأولى تأتي من جهة الحق والثانية تأتي من جهة النفس بالفناء في الله وبالتجرد عن الهيآت البدنية في الثانية والنجاة منها والرحمة هي الخلاص من الغضب بالكلية فإنه ما دامت في النفس بقية فالعبد لا يخلو عن غضب وحجاب وتشديد بلاء وعذاب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿وَمَآ﴾ نافية ﴿تَأْتِيهِم﴾ تنزل إليهم ﴿مِّنْ﴾ مزيدة لتأكيد العموم ﴿ءَايَةٍ﴾ تنزيلية كائنة ﴿مِّنْ﴾ تبعيضية ﴿رَبِّهِمْ إِلا﴾ التي من جملتها هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها والإيمان بها ﴿إِلا كَانُوا عَنْهَا﴾ متعلق بقوله :﴿مُعْرِضِينَ﴾ يقال : أعرض أي : أظهر عرضه أي : ناحيته والجملة حال من مفعول تأتي والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي : وما تأتيهم من آية من آيات ربهم في حال من الأحوال إلا حال إعراضهم عنها على وجه التكذيب والاستهزاء ويجوز أن يراد بالآيات ما يعم الآيات التنزيلية والتكوينية فالمراد بإتيانهم ما يعم نزول الوحي وظهور تلك الأمور لهم والمعنى ما يظهر لهم آية من الآيات الشاهدة بوحدانيته تعالى وتفرده بالألوهية إلا كانوا تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدي إلى الإيمان به تعالى فكل ما في الكون فهو صورة صفة من صفاته تعالى وسر من أسرار ذاته.
مغربى آنه عالمش خواند
عكس رخسارتست در مرآت
٤٠٦
وانه او آدمش همى داند
نسخه عالمست مظهر ذات
وقال المولى الجامي قدس سره :
جهان مرآت حسن شاهد ماست
فشاهد وجهه في كل ذرات
ثم إن أعظم الآيات وأكبر العلامات الرجال البالغون الكاملون في الدين من أرباب الحقيقة وأهل اليقين فمن وفق للقبول والتسليم وتربى بتربيتهم الحسنة إلى أن يحصل على القلب السليم نجا وكان مقبلاً مقبولاً.
ومن قابلهم بالإعراض ونازلهم بالاعتراض هلك وكان مدبراً مردوداً.
قال بعض الكبار : من عدم الإنصاف إيمان الناس بما جاء من أخبار الصفات على لسان الرسل وعدم الإيمان بها إذا أتى بها أحد من العلماء الوارثين لهم فإن البحر واحد وإذا لم يؤمنوا بما جاءت به الأولياء فلا أقل من أن يأخذوه منهم على سبيل الحكاية وكما جاءت الأنبياء مما تحيله العقول من الصفات وآمنا به كذلك يجب الإيمان بما جاء به الأولياء المحفوظون وكما سلمنا ما جاء به الأصل كذلك نسلم ما جاء به الفرع بجامع الموافقة انتهى.


الصفحة التالية
Icon