وأما قول أبي حنيفة رضي الله عنه ما أتانا عن الرسول صلى الله عليه وسلّم فعلى الرأس والعين وما أتانا عن الصحابة رضي الله عنهم فنأخذ تارة ونترك أخرى وما أتانا عن التابعين فهم رجال ونحن رجال فإنما هو بالنظر إلى الاجتهاد الظاهر الذي يختلف فيه العلماء والإعراض فيه انتقال من الأدنى إلى الأعلى بحسب الدليل الأقوى وقد يفتح الله على الطالب على لسان شيخه بعلوم لم تكن عند الشيخ لحسن أدبه مع الله ومع شيخه.
وسأل الأعمش أبا حنيفة عن مسائل فأجاب فقال الأعمش من أين لك هذا قال مما حدثتنا به فقال : يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة وهي الجماعة المنسوبة إلى الصندل وهو شجر طيب الرائحة قلبت النون ياء كما يقال صندلاني وصيدلاني والمراد من يبيع مواد الأدوية.
ومن علامة العلم المكتسب دخوله في ميزان العقول وعلامة العلم الموهوب أن لا يقبله ميزان إلا في النادر وترده العقول من حيث أفكارها.
ومن أعظم المكر بالعبد أن يرزق العلم ويحرم العمل به أو يرزق العمل ويحرم الإخلاص فيه فإذا رأيت يا أخي هذا من نفسك أو علمته من غيرك فاعلم أن المقبل به ممكور به فالإقبال إلى الله تعالى إنما هو بالإخلاص فإن وجه الرياء إلى الغير حفظنا الله تعالى وإياكم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ مِّنْ ءَايَـاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَه إِنْ أَنتُمْ إِلا فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَـاذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ﴾ أي : للكافرين بطريق النصيحة ﴿أَنفِقُوا﴾ على المحتاجين ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ أي : بعض ما أعطاكم بطريق التفضل والإنعام من أنواع الأموال فإن ذلك مما يرد البلاء ويدفع المكاره ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالصانع تعالى وهم زنادقة كانوا بمكة.
والزنديق من لا يعتقد إلهاً ولا بعثاً ولا حرمة شيء من الأشياء ﴿لِلَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ تهكماً بهم وبما كانوا عليه من تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى حيث كانوا يقولون لو شاء الله لأغنى فلاناً ولو شاء الله لأعزه ولو شاء لكان كذا وكذا وإنما حمل على التهكم لأن المعطلة ينكرون الصانع فلا يكون جوابهم المذكور عن اعتقاد وجدّ ﴿أَنُطْعِمُ﴾ من أموالنا حسبما تعظوننا به وبالفارسية :(آيا طعام دهيم) أي : لا نطعم فإن الهمزة للإنكار والطعام في الأصل البر وقوله عليه السلام في ماء زمزم "إنه طعام طعم وشفاء سقم" فتنبيه منه إنه غذاء بخلاف سائر المياه ﴿مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾ أي : على
٤٠٧
زعمكم يعني :(خداكه بزعم شما قادرست بر اطعام خلق بايستى كه ايشانرا طعام دهد ون او طعام نداد مانيز نمى دهيم) ﴿إِنْ أَنتُمْ﴾ (نيستيد شما اى مؤمنان) ﴿إِلا فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾ الضلال العدول عن الطريق المستقيم ويضاده الهداية ويقال الضلال لكل عدول عن المنهج عمداً كان أو سهواً يسيراً كان أو كثيراً ولهذا صح أن يستعمل فيمن يكون منه خطأ ما كما في "المفردات".
والمعنى في خطأ بين بالفارسية :(كمراهى آشكارا) حيث تأمروننا بما يخالف مشيئة الله تعالى (واين سخن ازايشان خطا بود براى آنكه بعض مردم را خداى تعالى توانكر ساخته وبعضى را دوريش كذشته وبجهت ابتلا حكم في فرموده كه اغنيا مال خدايرا بفقرا دهند س مشيت را بهانه ساختن وامر الهى راكه بانفاق فرموده فرو كذاشتن محض خطا وعين جفاست) :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
درويش را خدا بتوانكر حواله كرد
تاكار او بسازد وفارغ كند دلش
ازروى بخل اكرنشود ملتفت بوى
فردا بود ندامت واندوه حاصلش
وفي الحديث "لو شاء الله لجعلكم أغنياء لا فقير فيكم ولو شاء لجعلكم فقراء لا غني فيكم ولكنه ابتلى بعضهم ببعض لينظر كيف عطف الغني وكيف صبر الفقير" وهذه الآية ناطقة بترك شفقتهم على خلق الله وجملة التكاليف ترجع إلى أمرين التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله وهم قد تركوا الأمرين جميعاً وقد تمسك البخلاء بما تمسكوا به حيث يقولون لا نعطي من حرم الله ولو شاء لأغناه نعم لو كان مثل هذا الكلام صادراً عن يقين وشهود وعيان لكان مفيداً بل توحيداً محضاً يدور عليه كمال الإيمان ولكنهم سلكوا طريق التقليد والإنكار والعناد ومن لم يهد الله فما له من هاد.
وكان لقمان يقول.
إذا مر بالأغنياء : يا أهل النعيم لا تنسوا النعيم الأكبر وإذا مر بالفقراء يقول : إياكم أن تغبنوا مرتين.
وعن علي رضي الله عنه أن المال حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام.
قال الفضيل رحمه الله : من أراد عز الآخرة فليكن مجلسه مع المساكين نسأل الله تعالى فضله الكثير ولطفه الوفير فإنه مسبب الأسباب ومنه فتح الباب وفي "المثنوي" :