لئلا يتوهم أن اسم الإشارة صفة لمرقدنا ثم يبتدىء هذا ما وعد الرحمن على أنها جملة مستأنفة ويقال لهذه الوقفة وقفة السكت وهي قطع الصوت مقداراً أخصر من زمان النفس.
والبعث (برانكيختن) والمرقد إما مصدر أي : من رقادنا وهو النوم أو اسم مكان أريد به الجنس فينتظم مرقد الكل أي : من مكاننا الذي كنا فيه راقدين وبالفارسية :(كه برانكيخته يعني يدار كرد مارا زخوابكاه ما) فإن كان مصدراً تكون الاستعارة الأصلية تصريحية فالمستعار منه الرقاد والمستعار له الموت والجامع عدم ظهور الفعل والكل عقلي وإن كان اسم مكان تكون الاستعارة تبعية فيعتبر التشبيه في المصدر لأن المقصود بالنظر في اسم المكان وسائر المشتقات إنما هو المعنى القائم بالذات وهو الرقاد ههنا لا نفس الذات وهي ههنا القبر الذي ينام فيه واعتبار التشبيه في المقصود الأهم أولى.
قال في "الأسئلة المقحمة" : إن قيل أخبر الكفار بأنهم كانوا في القبر قبل البعث في حال الرقاد وهذا يرد عذاب القبر قلت : إنهم لاختلاط عقولهم يظنون أنهم كانوا نياماً أو أن الله تعالى يرفع عنه العذاب بين النفختين فكأنهم يرقدون في قبورهم كالمريض يجد خفة ما فينسلخ عن الحس بالمنام فإذا بعثوا بعد النفخة الآخرة وعاينوا القيامة دعوا بالويل ويؤيد هذا الجواب قوله عليه السلام :"بين النفختين أربعون سنة وليس بينهما قضاء ولا رحمة ولا عذاب إلا ما شاء ربك" أو أن الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها وافتضحوا على رؤوس الإشهاد وصار عذاب القبر في جنبها كالنوم قالوا من بعثنا من مرقدنا وذلك إن عذاب القبر روحاني فقط.
وقول الإمام الأعظم رحمه الله إن سؤال القبر للروح والجسد معاً أراد به بيان شدة تعلق أحدهما بالآخر كأرواح الشهداء ولذا عدوا أحياء وأما عذاب يوم القيامة فجسداني وروحاني وهو أشد من الروحاني فقط ﴿هَـاذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَـانُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ جملة من مبتدأ وخبر وما موصولة والعائد محذوف أي : هذا البعث هو الذي وعده الرحمن في الدنيا وأنتم قلتم متى هذا الوعد إنكاراً وصدق فيه المرسلون بأنه حق وهو جواب من قبل الملائكة أو المؤمنين عدل به عن سنن سؤال الكفار تذكيراً لكفرهم وتقريعاً لهم عليه وتنبيهاً على أن الذي يهمهم هو السؤال عن نفس البعث ماذا هو دون الباعث كأنهم قالوا بعثكم الرحمن الذي وعدكم ذلك في كتبه وأرسل إليكم الرسل فصدقوكم فيه وليس بالبعث الذي تتوهمونه وهو بعث النائم من مرقده حتى تسألوا عن الباعث وإنما هذا البعث الأكبر ذو الإفزاع والأهوال.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿إِن كَانَتْ﴾ أي : ما كانت النفخة الثانية المذكورة ﴿إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ حصلت من نفخ إسرافيل في الصور وقيل صيحة البعث هو قول إسرافيل على صخرة بيت المقدس أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة والأعضاء المتمزقة والشعور المنتشرة إن الله المصور الخالق يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء فاجتمعوا وهلموا إلى العرض وإلى جبار الجبابرة.
يقول الفقير : الظاهر إن هذا ليس غير النفخ في الحقيقة فيجوز أن يكون المراد من أحدهما المراد من الآخر أو أن يقال ذلك أثناء النفخ بحيث يحصل هو ولنفخ معاً إذ ليس من ضرورة التكلم على الوجه المعتاد حتى يحصل التنافي بينهما ﴿فَإِذَا هُمْ﴾ بغتة من غير لبث ما طرفة عين وهم مبتدأ خبره قوله :﴿جَمِيعٌ﴾
٤١٢
أي : مجموع وقوله :﴿لَّدَيْنَا﴾ أي : عندنا متعلق بقوله :﴿مُحْضَرُونَ﴾ للفصل والحساب.
وفيه من تهوين أمر البعث والحشر والإيذان باستغنائهما عن الأسباب ما لا يخفى كما هو عسير على الخلق يسير على الله تعالى لعدم احتياجه إلى مزاولة الأسباب ومعالجة الآلات كالخلق وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
وفي الآية إشارة إلى الحشر المعنوي الحاصل لأهل السلوك في الدنيا وذلك أن العالم الكبير صورة الإنسان وتفصيله فكما أنه تتلاشى أجزاؤه وقت قيام الساعة بالنفخ الأول ثم تجتمع بالنفخ الثاني فيحصل الوجود بعد العدم كذلك الإنسان العاشق يتفرق أنياته ويتقطع تعيناته وقت حصوله العشق بالجذبة القوية الإلهية ثم يظهر ظهوراً آخر فيحصل البقاء بعد الفناء فإذا وصل إلى هذه المرتبة يكون هو إسرافيل وقته كما جاء في "المثنوي" :
هين كه اسرافيل وقتند اوليا
مرده را زايشان حياتست ونما
جان هريك مرده از كورتن
برجهد زآواز شان اندر كفن
فالرقاد : هو غفلة الروح في جدث البدن ولا يبعثه في الحقيقة غير فضل الله تعالى وكرمه ولا يفنيه عنه إلا تجلي من جلاله والأنبياء والأولياء عليهم السلام وسائط بين الله تعالى وبين أرباب الاستعداد فمن ليس له قابلية الحياة لا ينفعه النفخ.
همه فيلسوفان يونان وروم
ندانند كردانكبين از زقوم
ز وحشى نيايدكه مردم شود
بسعى اندر وتربيت كم شود
بكوشش نرويد كل ازشاخ بيد
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
نه زنكى بكر ما به كردد سفيد
نسأل الله المحسان كثير الإحسان.


الصفحة التالية
Icon