﴿إِن كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْـاًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّ أَصْحَـابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِى شُغُلٍ فَـاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِى ظِلَـالٍ عَلَى الارَآاـاِكِ مُتَّكِـاُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَـاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ﴾.
﴿فَالْيَوْمَ﴾ أي : فيقال للكفار حين يرون العذاب المعد لهم اليوم أي : يوم القيامة وهو منصوب بقوله :﴿لا تُظْلَمُ نَفْسٌ﴾ من النفوس برة كانت أو فاجرة والنفس الذات والروح أيضاً ﴿شَيْـاًا﴾ نصب على المصدرية أي : شيئاً من الظلم بنقص الثواب وزيادة العقاب ﴿وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي : الإجزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار من الكفر والمعاصي والأوزار أيها الكفار على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه للتنبيه على قوة التلازم والارتباط بينهما كأنهما شيء واحد او إلا بما كنتم تعملونه أي : بمقابلته أو بسببه فقوله :﴿لا تُظْلَمُ نَفْسٌ﴾ ليأمن المؤمن وقوله :﴿وَلا تُجْزَوْنَ﴾ الخ لييأس الكافر.
فإن قلت ما الفائدة في إيثار طريق الخطاب عند الإشارة إلى يأس المجرم والعدول عن الخطاب عند الإشارة إلى أمان المؤمن.
فالجواب أن قوله :﴿لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْـاًا﴾ يفيد العموم وهو المقصود في هذا المقام فإنه تعالى لا يظلم أحداً مؤمناً كان أو مجرماً وأما قوله :﴿وَلا تُجْزَوْنَ﴾ فإنه يختص بالكافر فإنه تعالى يجزي المؤمن بما لم يعمله من جهة الوراثة وجهة الاختصاص الإلهي فإنه تعالى يختص برحمته من يشاء من المؤمنين بعد جزاء أعمالهم فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله أضعافاً مضاعفة :
فضل أو بي نهايت وايان
لطف او از تصورت بيروز
فيض أو هم سعد آرامبذول
أجر او ميشده غير ممنون
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿إِنَّ أَصْحَـابَ الْجَنَّةِ﴾ الخ من جملة ما سيقال لهم يومئذٍ زيادة لحسرتهم وندامتهم فإن الأخبار
٤١٣
بحسن حال أعدائهم أثر بيان سوء حالهم مما يزيدهم مساءة على مساءة ﴿الْيَوْمَ﴾ أي : يوم القيامة مستقرون ﴿فِى شُغُلٍ﴾ قال في "المثنوي" : الشغل بضم الغين وسكونها العارض الذي يذهل الإنسان.
وفي "الإرشاد" والشغل هو الشان الذي يصد المرء ويشغله عما سواه من شؤونه لكونه أهم عنده من الكل إما لإيجابه كمال المسرة والبهجة أو كمال المساءة والغم والمراد هنا هو الأول والتنوين للتفخيم أي : في شغل عظيم الشأنن ﴿فَـاكِهُونَ﴾ خبر آخر لأن من الفكاهة بفتح الفاء وهي طيب العيش والنشاط بالتنعم وأما الفكاهة بالضم فالمزاح والشطارة أي : حديث ذوي الإنس ومنه قول علي رضي الله عنه لا بأس بفكاهة يخرج بها الإنسان من حد العبوس والمعنى متنعمون بنعيم مقيم فائزون بملك كبير.
ويجوز أن يكون فاكهون هو الخبر وفي شغل متعلق به ظرف لغوله أي : متلذذون في شغل فشلغهم شغل التلذذ لا شغل فيه تعب كشغل أهل الدنيا.
والتعبير عن حالهم هذه بالجملة الإسمية قبل تحققها تنزيل للمترقب المتوقع منزلة الواقع للإيذان بغاية سرعة تحققهاووقوعها ولزيادة مساءة المخاطبين بذلك وهم الكفار ثم إن الشغل فسر على وجوه بحسب اقتضاء مقام البيان ذلك :


الصفحة التالية
Icon