وفي "التأويلات" : يشير إلى امتياز المؤمن والكافر في المحشر والمنشر بابيضاض وجه المؤمن واسوداد وجه الكافر وبإيتاء كتاب المؤمن بيمينه وبإيتاء كتاب الكافر بشماله وبثقل الميزان وبخفته وبالنور وبالظلمة وثبات القدم على الصراط وزلة القدم عن الصراط وغير ذلك.
قال بعض الكبار : اعلم أن أهل النار الذين لا يخرجون منها أربع طوائف : المتكبرون، والمعطلة، والمنافقون، والمشركون ويجمعها كلها المجرمون قال تعالى :﴿وَامْتَـازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ أي : المستحقون لأن يكونوا أهلاً لسكنى النار فهؤلاء أربع طوائف هم الذي لا يخرجون من النار من إنس وجن وإنما جاء تقسيمهم إلى أربع طوائف من غير زيادة لأن الله تعالى ذكر عن إبليس أنه يأتينا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ولا يدخل أحد النار إلا بواسطته فهو يأتي للمشرك من بين يديه ويأتي للمتكبر عن يمينه ويأتي للمنافق عن شماله ويأتي للمعطل من خلفه وإنما جاء للمشرك من بين يديه لأن المشرك بين يديه جهة غيبية فأثبت وجود الله ولم يقدر على إنكاره فجعله إبليس يشرك بالله في ألوهيته شيئاً يراه ويشاهده وإنما جاء للمتكبر من جهة اليمين لأن اليمين محل القوة فلذلك تكبر لقوته التي أحس بها من نفسه وإنما جاء للمنافق من جهة شماله الذي هو الجانب الأضعف لكون المنافق أضعف الطوائف كما أن الشمال أضعف من اليمين ولذلك كان في الدرك الأسفل من النار ويعطي كتابه بشماله وإنما جاء للمعطل من خلفه لأن الخلف ما هو محل نظر فقال له ما ثم شيء فهذه أربع مراتب لأربع طوائف ولهم من كل باب من أبواب جهنم جزء مقسوم وهي منازل عذابهم فإذا ضربت الأربع التي هي المراتب في السبعة أبواب كان الخارج ثمانية وعشرين منزلاً عدد منازل القمر وغيره من الكواكب السيارة انتهى كلامه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿وَامْتَـازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِى ءَادَمَ أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيطَـانَا إِنَّه لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِى هَـاذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ﴾.
﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِى ءَادَمَ﴾ الخ من جملة ما يقال لهم يوم القيامة بطرق التقريع والإلزام والتبكيت بين الأمر بالامتياز وبين الأمر بدخول جهنم بقوله تعالى :﴿اصْلَوْهَا الْيَوْمَ﴾ (يس : ٦٤)
٤٢٠
الخ والعهد والوصية التقدم بأمر فيه خير ومنفعة والمراد ههنا ما كلفهم الله تعالى على ألسنة الرسل من الأوامر والنواهي التي من جملتها قوله تعالى : يا بَنِى ءَادَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَـانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ} (الأعراف : ٢٧) وقوله تعالى :﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَـانِا إِنَّه لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ (الأنعام : ١٤٢) وغيرها من الآيات الكريمة الواردة في هذا المعنى والمراد ببني آدم المجرمون والمعنى بالفارسية :(أيا عهد نكرده ام شمارا يعني عهد كردم وفرمودم شمارا) ﴿أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيطَـانَ﴾ إن مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول بالأمر والنهي أو مصدرية حذف منها الجار أي : ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان والمراد بعبادة الشيطان عبادة غير الله لأن الشيطان لا يعبده أحد ولم يرد عن أحد أنه عبد الشيطان إلا أنه عبر عن عبادة غير الله بعبادة الشيطان لوقوعها بأمر الشيطان وتزيينه والانقياد فيما سوّله ودعا إليه بوسوسته فسمي إطاعة الشيطان والانقياد له عبادة له تشبيهاً لها بالعبادة من حيث أن كل واحد منهما ينبىء عن التعظيم والاجلال ولزيادة التحذير والتنفير عنها ولوقوعها في مقابلة عبادته تعالى.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : من أطاع شيئاً عبده دل عليه ﴿أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـاهَه هَوَاـاهُ﴾ (الجاثية : ٢٣) والمعنى بالفارسية :(نرستيد شيطانرا يعني بتان بفرموده شيطان) ﴿إِنَّه لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ أي : ظاهر العداوة لكم يريد أن يصدكم عما جبلتم عليه من الفطرة وكلفتم به من الخدمة وهو تعليل لوجوب الانتهاء عن المنهي عنه ووجه عداوة إبليس لبني آدم أنه تعالى لما أكرم آدم عليه السلام عاداه إبليس حسداً والعاقل لا يقبل من عدوه وإن كان ما يلقاه إليه خيراً إذ لا أمن من مكره فإن ضربة الناصح خير من تحية العدو.
قال الشيخ سعدي قدس سره :(دشمن ون ازهمه حيلتي درماند سلسله دوستى بجنباند س آنكاه بدوستى كارهاً كندكه هي دشمن نتواند كرد) :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
حذركن زانه دشمن كويد آن كن
كه بر زانوا زنى دست تغابن
كرت راهى نمايد راست ون تير
ازان بر كرد وراه دست ب كير