قال بعض الكبار : اعلم أن عداوة إبليس لبني آدم أشد من معاداته لأبيهم آدم عليه السلام وذلك أن بني آدم خلقوا من ماء والماء منافر للنار وأما آدم فجمع بينه وبين إبليس اليبس الذي في التراب فبين التراب والنار جامع ولهذا صدقه لما أقسم له بالله إنه لناصح وما صدقه الأبناء لكونه لهم ضداً من جميع الوجوه فبهذا كانت عداوة الأبناء أشد من عداوة الأب ولما كان العدو محجوباً عن إدراك الأبصار جعل الله لنا علامات في القلب من طريق الشرع نعرفه بها تقوم لنا مقام البصر فنتحفظ بتلك العلامة من إلقائه وإعانة الله عليه بالملك لذي جعله الله مقابلاً له غيباً بغيب انتهى.
وفي "التأويلات النجمية" : في الآية إشارة إلى كمال رأفته وغاية مكرمته في حق بني آدم إذ يعاتبهم معاتبة الحبيب للحبيب ومناصحة الصديق للصديق وأنه تعالى يكرمهم ويجلهم عن أن يعبدوا الشيطان لكمال رتبتهم واختصاص قربتهم بالحضرة وغاية ذلة الشيطان وطرده ولعنه من الحضرة وسماه عدواً لهم وله وسمي بني آدم الأولياء والأحباب وخاطب المجرمين منهم كالمعتذر الناصح لهم ألم أعهد إليكم ألم أنصح ألم أخبركم عن خباثة الشيطان وعداوته لكم وإنكم أعز من أن تعبدوا مثله ملعوناً مهيناً.
﴿وَأَنِ اعْبُدُونِى﴾
٤٢١
لأن مثلكم يستحق لعبادة مثلي فإني أنا العزيز الغفور وإني خلقتكم لنفسي وخلقت المخلوقات لأجلكم وعززتكم وأكرمتكم بأن أسجدت لكم ملائكتي المقربين وعبادي المكرمين وهو عطف على أن لا تعبدوا وإن فيه كما هي فيه أي : وحدوني بالعبادة ولا تشركوا بها أحداً وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية وليتصل به قوله تعالى :﴿هَـاذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ (الحجر : ٤١) فإنه إشارة إلى عبادته تعالى التي هي عبارة عن التوحيد والإسلام وهو المشار إليه بقوله تعالى :﴿هَـاذَا صِرَاطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ (الأعراف : ١٦) والمقصود بقوله تعالى :﴿لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ والتنكير للتفخيم.
قال البقلى : طلب الحق منهم ما خلق في فطرتهم من استعداد قبول الطاعة أي : اعبدوني بي لا بكم فهذا صراط مستقيم حيث لا تنقطع العبودية عن العباد أبداً ولا يدخل في هذا الصراط اعوجاج واضطراب أصلاً وكل قول يقبل الاختلاف بين المسلمين إلا قول :"لا إله إلا الله محمد رسول الله" فإنه غير قابل للاختلاف فمعناه متحقق وإن لم يتكلم به أحد.
قال الواسطي : من عبد الله لنفسه فإنما يعبد نفسه ومن عبده لأجله فإنه لم يعرف ربه ومن عبده بمعنى أن العبودية جوهرة فطرة الربوبية فقد أصاب ومن علامات العبودية ترك الدعوى واحتمال البلوى وحب المولى وحفظ الحدود والوفاء بالعهود وترك الشكوى عند المحنة وترك المعصية عند النعمة وترك الغفلة عند الطاعة.
قال بعض الكبار : لا يصح مع العبودية رياسة أصلاً لأنها ضد لها ولهذا قال المشايخ رضوان الله عليهم آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الجاه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
واعلم أنه كم نصح الله ووعظ وأنذر وحذر ووصل القول وذكر ولكن المجرمين لم يقبلوا النصح ولم يتعظوا بالوعظ ولم يعملوا بالأمر بل عملوا بأمر الشيطان وقبلوا إغواءه إياهم فليرجع العاقل من طريق الحرب إلى طريق الصلح قال الشيخ سعدي قدس سره :
نه ابليس در حق ما طعنه زد
كزاينان نيايد بجز كاربد
فغان ازبديها كه درنفس ماست
كه ترسم شودظن ابليس راست
و ملعون سند آمدش قهرما
خدايش بر انداخت ازبهرما
كجا بر سر آيم ازين عاروننك
كه با و بصلحيم وباحق بجنك
نظر دوست تادر كند سوى تو
كه درروى دشمن بودروى تو
ندانى كه كمترنهد دوست اى
وبيندكه كه دشمن بوددر سراى
وقال أيضاً من طريق الإشارة :
نه مارا درميان عهد ووفا بود
جفا كردى وبدعهدى نمودى
هنوزت ارسر صلحست بازآى
كزان محبوبتر باشى كه بودى
﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلا كَثِيرًا﴾ جواب قسم محذوف والخطاب لبني آدم.
وفي "الإرشاد" الجملة استئناف مسوق لتشديد التوبيخ وتأكيد التقريع ببيان أن جناياتهم ليست بنقض العهد فقط بل به وبعدم الاتعاظ بما شاهدوا من العقوبات النازلة على الأمم الخالية بسبب طاعتهم للشيطان والخطاب لمتأخريهم الذين من جملتهم كفار مكة
٤٢٢


الصفحة التالية
Icon