﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَـاهُمْ﴾ المسخ تحويل الصورة إلى ما هو أقبح منها سواء كان ذلك التحويل بقلبها إلى صورة البهيمية مع بقاء الصورة الحيوانية أو بقلبها حجراً ونحوه من الجمادات بإبطال القوى الحيوانية.
والمعنى ولو نشاء نسقطهم عن رتبة التكليف ودرجة الاعتبار لغيرنا صورهم بأن جعلناهم قردة وخنازير كما فعلنا بقوم موسى أي : بني إسرائيل في زمان داود عليه السلام أو بأن جعلناهم حجارة ومدرة وهذا أشد من الأول وأقبح لأن الأول خروج عن رتبة الإنسانية إلى الحيوانية وهذا عن الحيوانية إلى الجمادية التي ليس فيها شعور أصلاً وقطعاً ﴿عَلَى مَكَانَتِهِمْ﴾ بمعنى المكان إلا أن المكانة أخص كالمقامة والمقام أي : مكانهم ومنزلهم الذي هم فيه قعود وبالفارسية :(برجاى خويش تاهم آنجا افسرده شوند) وقال بعضهم : لأقعدناهم على أرجلهم وأزمناهم ﴿فَمَا اسْتَطَـاعُوا مُضِيًّا﴾ ذهاباً وإقبالاً إلى جانب أمامهم أي : لم يقدروا أن يبرحوا مكانهم بإقبال.
أصله مضوي قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وكسرت الضاد قبل الياء لتسلم الياء ومن قرأ مضياً بكسر الميم فإنما كسرها اتباعاً للضاد ﴿وَلا يَرْجِعُونَ﴾ أي : ولا رجوعاً وإدباراً إلى جهة خلفهم فوضع موضع الفعل لمراعاة الفاصلة وليس مساق الشرطين لمجرد بيان قدرته تعالى على ما ذكر من عقوبة الطمس والمسخ بل لبيان أنهم بما هم عليه من الكفر ونقص العهد وعدم الاتعاظ بما شاهدوا من آثار دثار امثالهم أحقاء بأن يفعل بهم في الدنيا لتلك العقوبة كما فعل بهم في الآخرة عقوبة الختم وأن المانع من ذلك ليس إلا عدم تعلق المشيئة الإلهية به كأنه قيل لو نشاء عقوبتهم بما ذكر من الطمس والمسخ لفعلناها لكنا لم نفعل جرياً على سنن الرحمة العامة والحكمة التامة الداعيتين إلى إمهالهم زماناً إلى أن يتوبوا ويؤمنوا ويشكروا النعمة أو إلى أن يتولد منهم من يتصف بذلك.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
قال بعض الحكماء : المسخ ضربان خاص وهو تشويه الخلق بالفتح وعام في كل زمان وهو تبديل الخلق بالضم وذلك أن يصير الإنسان متخلقاً بخلق ذميم من أخلاق بعض الحيوانات نحو أن يصير في شدة الحرص كالكلب أو الشره كالخنزير أو الغمارة كالثور.
فعبارة الآية في تحويل الصورة وإشارتها في تحويل الصفات الإنسانية بالصفات السبعية والشيطانية فلا يقدرون على إزالة هذه الصفات ولا يقدرون على رجوعهم إلى صفاتهم الإنسانية فمن مسخه الله في الدنيا بصفات حشره في صورة صفته الممسوخة كما جاء في الحديث الصحيح "إن آزر يحشر على صفة ضبع".
قال في "حياة الحيوان" : في الحديث :"يلقي إبراهيم عليه السلام أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعص فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزي من أن يكون أبي في النار فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال : يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا
٤٢٧
هو بذيح متلطخ وهو بكسر الذال والخاء المعجمتين ذكر الضباع الكثيرة الشعر فيؤخذ بقوائمه ويلقى في النار والحكمة في كون آزر مسخ ضبعاً دون غيره من الحيوان أن الضبع تغفل عما يجب التيقظ له وتوصف بالحمق فلما لم يقبل آزر النصيحة من أشفق الناس عليه وقبل خديعة عدوه الشيطان أشبه الضبع الموصوفة بالحمق لأن الصياد إذا أراد أن يصيدها رمى في حجرها بحجر فتحسبه شيئاً تصيده فتخرج لتأخذه فتصاد عند ذلك ولأن آزر لو مسخ كلباً أو خنزيراً كان فيه تشويه لخلقه فأراد الله تعالى إكرام إبراهيم عليه السلام بجعل أبيه على هيئة متوسطة".
قال في "المحكم" : يقال خزيته أي : ذللته فلما خفض إبراهيم عليه السلام له جناح الذل من الرحمة لم يخز بصفة الذل يوم القيامة فإذا كان حال إبراهيم فما ظنك بغيره ممن لم يأت الله بقلب سليم فينبغي أن لا يلتفت إلى الاكتساب بل يؤخذ بصالحات الأعمال وخالصات الأحوال نرجو من الله المتعال أن لا يفضحنا يوم السؤال.
﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَـاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَـاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ * وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِا أَفَلا يَعْقِلُونَ * وَمَا عَلَّمْنَـاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنابَغِى لَه ا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ * لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤