﴿وَمَن نُّعَمِّرْهُ﴾ (التعمير : زندكانى دادن) والعمر مدة عمارة البدن بالروح أي : ومن نطل عمره في الدنيا وبالفارسية :(هركرا عمر دراز دهيم) ﴿نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ﴾ (التنكيس : نكونسار كردن) وهو أبلغ والنكس أشهر وهو قلب الشيء على رأسه ومنه نكس الولد إذا خرج رجله قبل رأسه والنكس في المرض أن يعود في مرضه بعد إفاقته والنكس في الخلق وهو بالفارسية :(آفرينش) الرد إلى أرذل العمر والمعنى نقلبه فيه ونخلقه على عكس ما خلقناه أولاً فلا يزال يتزايد ضعفه وتتناقص قوته وتنتقض بنيته ويتغير شكله وصورته حتى يعود إلى حالة شبيهة بحال الصبي في ضعف الجسد وقلة العقل والخلو عن الفهم والإدراك.
أراني كل يوم في انتقاص
ولا يبقى على النقصان شيء
﴿أَفَلا يَعْقِلُونَ﴾ أي : أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ فإنه مشتمل عليهما وزيادة غير أنه على تدرج وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما.
نزد قدرت كارها دشوار نيست†
وفي "البحر" : فإن لم نفعلها بكم في الدنيا نفعلها بكم في الآخرة إن لم تتوبوا عن الكفر والمعاصي فإنه روى أن بعض الناس من هذه الأمة يحشرون على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكوسين أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها وبعضهم عمياً وبعضهم صماً وبكماً وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع إلى غير ذلك وسيجيء تفصيله في محله.
قال أبو بكر الوراق قدس سره : من عمره الله بالغفلة فإن الأيام والأحوال مؤثرة فيه حالاً فحالاً من طفولة وشباب وكهولة وشيبة إلى أن يبلغ ما حكى الله عنه من قوله :﴿وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ﴾ ومن أحياه الله بذكره فإن تلون الأحوال لا يؤثر فيه فإنه متصل الحياة بحياة الحق حي به وبقربه قال الله تعالى :﴿فَلَنُحْيِيَنَّه حَيَواةً طَيِّبَةً﴾ (النحل : ٩٧).
قال في "كشف الأسرار" :(اين بندكانرا تنبيهي است عظيم بيدار كردن ايشان ازخواب غفلت يعني كه خودرا دريابيد وروز كار جوانى وقوت بغنيمت داريد وعمل كنيد يش ازانكه
٤٢٨
نتوانيد) قال النبي صلى الله عليه وسلّم "اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك وفراغك قبل شغلك" (س اكر روز كار جوانى ضايع كند ودر عمل تقصير كند برسر يرى وعجز عذري باز خواهد هم نكوبود) قال النبي عليه السلام :"إذا بلغ الرجل تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكتب أسير الله في الأرض وشفع في أهل بيته وإذا بلغ مائة سنة استحيى الله عز وجل منه أن يحاسبه" أي : رضي عنه وسامح في حسابه، قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
دلم ميدهد وقت وقت اين اميد
كه حق شرم دارد زموى سفيد
عجب دارم ار شرم دارد زمن
كه شرمم نمى آيد از خويشتن
﴿وَمَا عَلَّمْنَـاهُ الشِّعْرَ﴾ رد وإبطال لما كانوا يقولون في حقه عليه السلام من أنه شاعر وما يقوله شعر والظاهر في الرد أن يقال أنه ليس بشاعر وأن ما يتلوه عليكم ليس بشعر إلا أن عدم كونه شاعراً لما كان ملزوماً لعدم كون معلمه علمه الشعر نفي اللازم وأريد نفي الملزوم بطريق الكناية التي هي أبلغ من التصريح.
قال الراغب : يقال : شعرت أصبت الشعر ومنه استعير شعرت كذا أي : علمت علماً في الدقة كإصابة الشعر وسمي الشاعر شاعراً لفطنته ودقة معرفته.
فالشعر في الأصل اسم للعلم الدقيق في قولهم : لست شعري وصار في التعارف اسماً للموزون المقفى من الكلام والشاعر المختص بصناعته.
وفي "القاموس" : الشعر غلب على منظوم القول لشرفه بالوزن والقافية وإن كان كل علم شعراً والجمع إشعار يقال شعر به كنصر وكرم علم به وفطن له وعقله.
والشعر عند الحكماء القدماء ليس على وزن وقافية ولا الوزن والقافية ركن في الشعر عندهم بل الركن في الشعر إيراد المقدمات المخيلة فحسب ثم قد يكون الوزن والقافية معينين في التخيل فإن كانت المقدمة التي تورد في القياس الشعري مخيلة فقط تمحض القياس شعرياً وإن انضم إليها قول إقناعي تركبت المقدمة من معنيين شعري وإقناعي وإن كان الضميم إليه قولاً يقينياً تركبت المقدمة من شعريّ وبرهانيّ.
قال بعضهم : الشعر إما منطقي وهو المؤلف من المقدمات الكاذبة وإما اصطلاحي وهو كلام مقفى موزون على سبيل القصد والقيد الأخير يخرج ما كان وزنه اتفاقياً كآيات شريفة اتفق جريان الوزن فيها أي : من بحور الشعر الستة عشر نحو قوله تعالى :﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا﴾ (آل عمران : ٩٢) وقوله :﴿وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَـاتٍ﴾ (سبأ : ١٣) وقوله :﴿نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ (الصف : ١٣) ونحو ذلك وكلمات شريفة نبوية جاء الوزن فيها اتفاقياً من غير قصد إليه وعزم عليه نحو قوله عليه السلام حين عثر في بعض الغزوات فأصاب إصبعه حجر فدميت.
هل أنت إلا إصبع دميت