وفي سبيل الله ما لقيت وقوله يوم حنين حين نزل ودعا واستنصر أو يوم فتح مكة :
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب وقوله يوم الخندق :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
باسم الإله وبه بدأنا
ولو عبدنا غيره شقينا
٤٢٩
وغير ذلك سواء وقع في خلال المنثورات والخطب أم لا.
والمراد بالشعر الواقع في القرآن الشعر المنطقي سواء كان مجرداً عن الوزن أم لا والشعر المنطقي أكثر ما يروج بالاصطلاحي.
قال الراغب : قال بعض الكفار للنبي عليه السلام : إنه شاعر فقيل لما وقع في القرآن من الكلمات الموزونة والقوافي.
وقال بعض المحصلين أرادوا به أنه كاذب لأن ظاهر القرآن ليس على أساليب الشعر ولا يخفى ذلك على الأغتم من العجم فضلاً عن بلغاء العرب فإنما رموه بالكذب لأن أكثر ما يأتي به الشاعر كذب ومن ثمة سموا الأدلة الكاذبة شعراً.
قال الشريف الجرجاني في "حاشية المطالع" : والشعر وإن كان مفيداً للخواص والعوام فإن الناس في باب الإقدام والأحجام أطوع للتخييل منهم للصدق إلا أن مداره على الأكاذيب ومن ثمة قيل أحسن الشعر أكذبه فلا يليق بالصادق المصدوق لما شهد به قوله تعالى :﴿وَمَا عَلَّمْنَـاهُ الشِّعْرَ﴾ الآية والمعنى وما علمنا محمداً الشعر بتعليم القرآن على معنى أن القرآن ليس بشعر فإن الشعر كلام متكلف موضوع ومقال مزخرف مصنوع منسوج على منوال الوزن والقافية مبني على خيالات وأوهام واهية فأين ذلك من التنزيل الجليل الخطر المنزه عن مماثلة كلام البشر المشحون بفنون الحكم والأحكام الباهرة الموصلة على سعادة الدنيا والآخرة ومن أي : اشتبه عليهم الشؤون واختلط بهم الظنون قاتلهم الله أنى يؤفكون.
وفي الآية : إشارة إلى أن النبي عليه السلام معلم من عند الله لأنه تعالى علمه علوم الأولين والآخرين وما علمه الشعر لأن الشعر قرآن إبليس وكلامه لأنه قال رب اجعل لي قرآناً قال تعالى قرآنك الشعر.
قال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر في قوله تعالى :﴿وَمَا عَلَّمْنَـاهُ الشِّعْرَ﴾ اعلم أن الشعر محل للإجمال واللغز والتورية أي : وما رمزنا لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم شيئاً ولا ألغزنا ولا خاطبناه بشيء ونحن نريد شيئاً ولا أجملنا له الخطاب حيث لم يفهم انتهى وهل يشكل على هذه الحروف المقطعة في أوائل السور ولعله رضي الله عنه لا يرى أن ذلك من قبيل المتشابه أو أن المتشابه ليس مما استأثر الله بعلمه
وفي "التأويلات النجمية" : يشير قوله :﴿وَمَا عَلَّمْنَـاهُ الشِّعْرَ﴾ إلى أن كل أقوال وأعمال وأحوال تجري على العباد في الظاهر والباطن كلها تجري بتعليم الحق تعالى حتى الحرف والصنائع وذلك سر قوله تعالى :﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ الاسْمَآءَ كُلَّهَا﴾ وتعليمه الصنائع لعباده على ضربين بواسطة وبغير واسطة أما بالواسطة فبتعليم بعضهم بعضاً وأما بغير الواسطة فكما علم داود عليه السلام صنعة اللبوس وكل حرفة وصنعة يعملها الإنسان من قريحته بغير تعليم أحد فهي من هذا القبيل انتهى، وفي "المثنوي" :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
قابل تعليم وفهمست اين جسد
ليك صاحب وحى تعليمش دهد
جمله حرفتها يقين از وحى بود
اول اوليك عقل آنرا فزود
هي حرفت را ببين كين عقل ما
داند او آموختن بى اوستا
كره اندر مكر موى اشكاف بد
هي بيشه رام بى استاد شد
ثم حكى قصة قابيل فإنه تعلم حفر القبر من الغراب حتى دفن أخاه هابيل بعد قتله وحمله على عاتقه أياماً ﴿وَمَا يَنابَغِى لَه﴾ البغاء الطلب والإنبغاء انفعال منه يقال بغيته أي : طلبته فانطلب.
٤٣٠
قال الراغب : هو مثل قوله النار ينبغي أن تحرق الثوب أي : هي مسخرة للإحراق والمعنى وما يصح لمحمد الشعر ولا يتسخر ولا يتسهل ولا يتأتى له لو طلبه أي : جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يكن لسانه يجري به إلا منكسراً عن وزنه بتقديم وتأخير أو نحو ذلك كما جعلناه أمياً لا يهتدي للخط ولا يحسنه ولا يحسن قراءة ما كتبه غيره لتكون الججة أثبت وشبهة المرتابين في حقية رسالته ادحض فإنه لو كان شاعراً لدخلت الشبهة على كثير من الناس في أن ما جاء به يقوله من عند نفسه لأنه شاعر صناعته نظم الكلام.
وقال في "إنسان العيون" والحاصل أن الحق الحقيق بالاعتماد وبه تجتمع الأقوال أن المحرم عليه صلى الله عليه وسلّم إنما هو إنشاء الشعر أي : الإتيان بالكلام الموزون عن قصد وزنه وهذا هو المعنى بقوله :﴿وَمَا عَلَّمْنَـاهُ الشِّعْرَ﴾ فإن فرض وقوع كلام موزون منه عليه السلام لا يكون ذلك شعراً اصطلاحاً لعدم قصد وزنه فليس من الممنوع منه والغالب عليه أنه إذا أنشد بيتاً من الشعر متمثلاً به أو مسنداً لقائله لا يأتي به موزوناً.
وادعى بعض الأدباء أنه عليه السلام كان يحسن الشعر أي : يأتي به موزوناً قصداً ولكنه كان لا يتعاطاه أي : لا يقصد الإتيان به موزوناً قال : وهذا أتم وأكمل مما لو قلنا إنه كان لا يحسن وفيه أن في ذلك تكذيباً للقرآن.