وقال بعضهم : من كان حياً أي : مؤمناً في علم الله فإن الحياة الأبدية بالإيمان يعني أن إيمان من كان مؤمناً في علم الله بمنزلة الحياة للبدن لكونه سبباً للحياة الأبدية.
قال ابن عطاء : من كان في علم الله حياً أحياه الله بالنظر إليه والفهم عنه والسماع منه والسلام عليه.
وقال الجنيد : الحي من كان حياته بحياة خالقه لا من تكون حياته ببقاء نفسه ومن كان بقاؤه ببقاء نفسه فإنه ميت في وقت حياته ومن كان حياته بربه كان حقيقة حياته عند وفاته لأنه يصل بذلك إلى رتبة الحياة الأصلية وتخصيص الإنذار بمن كان حي القلب مع أنه عام له ولمن كان ميت القلب لأنه المنتفع به ﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ﴾ أي : يجب كلمة العذاب وهو ﴿لامْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (السجدة : ١٣) ﴿عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ المصرين على الكفر لأنه إذا انتفت الريبة إلا المعاندة فيحق القول عليهم وفي إيرادهم بمقابلة من كان حياً إشعار بأنهم لخلوهم عن آثار الحياة وأحكامها التي هي المعرفة أموات في الحقيقة كالجنين ما لم ينفخ فيه الروح فالمعرفة تؤدي إلى الإيمان والإسلام والإحسان التي لا يموت أهلها بل ينتقل من مكان إلى مكان.
قال
٤٣٢
حضرة شيخي وسندي روح الله روحه : حالة النوم وحالة الانتباه إشارة إلى الغفلة ويقظة البصيرة فوقت الانتباه كوقت انتباه القلب في أول الأمر ثم الحركة إلى الوضوء إشارة إلى التوبة والإنابة ثم الشروع في الصلاة إشارة إلى التوجه الإلهي والعبور من عالم الملك والناسوت والدخول في عالم الملكوت ففي الحركات بركات كما أشار إليه المولوي في قوله :
فرقتي لو لم تكن في ذا السكوت
لم يقل إنا إليه راجعون
ثم إن الإنذار صفة النبي عليه السلام في الحقيقة وقد قرىء لتنذر بتاء الخطاب ثم صفة وارثه الأكمل الذي هو على بصيرة من أمره.
قال الشيخ الشهير بأفتاده قدس سره : إن الوعظ لا يليق بمن لم يعرف المراتب الأربع لأنه يعالج مرض الصفراء بعلاج البلغم أو السوداء نعم يحصل له الثواب إذا كان لوجه الله تعالى ولكن لا يحصل الترقي قدر ذرة فإنه لا بد أن يعرف الواعظ أن أية آية تتعلق بالطبيعة وأية آية تتعلق بالنفس ولذلك بكى الأصحاب دماً فمن وجب عليه القول الأزلي بموت قلبه وقساوته كالكافرين والغافلين فلا يتأثر بالإنذار إذ الباز الأشهب إنما يصيد الصيد الحي فنسأل الله الحياة واليقظة والتأثر من كل الإنذار والتنبيه والعظة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَـافِرِينَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعَـامًا فَهُمْ لَهَا مَـالِكُونَ * وَذَلَّلْنَـاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَـافِعُ وَمَشَارِبُا أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾.
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ الهمزة للإنكار والتعجيب والواو للعطف على مقدر والضمير للمشركين من أهل مكة أي : ألم يتفكروا ولم يعلموا علماً يقينياً هو في حكم المعاينة أي : قد رأوا وعلموا ﴿إِنَّآ﴾ بمقتضى جودنا ﴿خَلَقْنَا لَهُم﴾ أي : لأجلهم وانتفاعهم ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ﴾ العمل كل فعل من الحيوان يقصد فهو أخص من الفعل أي : مما تولينا إحداثه بالذات لم يشاركنا فيه غيرنا بمعاونة وتسبب وذكر الأيدي وإسناد العمل إليها استعارة تمثيلية من عمل يعمل بالأيدي لأنه تعالى منزه عن الجوارح.
قال الكاشفي :(ميان مردمان مثاليست هركارى كه تنهاكند كويند من اين مهم بدست خود ساخته ام يعني ديكر مرا درساختن يارى نداده) وإنما تخاطب العرب بما يستعملون في مخاطباتهم (اينجا نيز ميفرمايدكه ما آفريديم براى ايشان بخود بى مشاركت غيري).
قال الراغب : الأيدي جمع يد بمعنى الجارحة خص لفظ اليد لقصورنا إذ هي أجل الجوارح التي يتولى بها الفعل فيما بيننا.
وقال العتبي : الأيدي هنا القوة والقدرة وقوله عملت أيدينا حكاية عن الفعل وإن لم يباشر الفعل باليد هذا كقوله جرى بناء هذه القنطرة وهذا القصر على يدي فلان.
وفي الخبر على اليد ما أخذت حتى تؤديه فالأمانة مؤداة وإن لم تباشر باليد فيقول مالي في يد فلان أو اليتيم تحت يد القيم فاليد يكنى بها عن الملكة والضبط.