وقال في "الأسئلة المقحمة" : الأيدي هنا صلة وهو كقوله :﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ (الشورى : ٣٠) ومذهب العرب الكناية باليد والوجه عن الجملة انتهى وهذه المعاني متقاربة في الحقيقة ﴿أَنْعَـامًا﴾ مفعول خلقنا آخر جمعاً بينه وبين أحكامه المتفرعة عليه بقوله تعالى :﴿فَهُمْ﴾ إلخ جمع نعم وهو المال الراعية وهي الإبل والبقر والغنم والمعز مما في سيره نعومة أي : لين ولا يدخل فيها الخيل والبغال والحمر لشدة وطئها الأرض وخص بالذكر من بين سائر ما خلق الله من المعادن والنبات والحيوان غير الأنعام لما فيها من بدائع الفطرة كما في الإبل وكثرة المنافع كما في البقر والغنم أي : الضأن والمعز ﴿فَهُمْ لَهَا مَـالِكُونَ﴾.
قال ابن الشيخ :
٤٣٣
الفاء للسببية ومالكون من ملك السيد والتصرف أي : فهم لسبب ذلك مالكون لتلك الأنعام بتمليكنا إياها وهم متصرفون فيها بالاستقلال يختصون بالانتفاع بها لا يزاحمهم في ذلك غيرهم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿وَذَلَّلْنَـاهَا لَهُمْ﴾ (التذليل : خوار وذليل ومنقاد كردن) والذل بالضم ويكسر ضد الصعوبة.
وفي "المفردات" الذل ما كان عن قهر والذل ما كان بعد تصعب وشماس من غير قهر وذلت الدابة بعد شماس ذلاً وهي ذلول ليست بصعبة.
والمعنى وصيرنا تلك الأنعام منقادة لهم وبالفارسية :(رام كرديم انعام را براى ايشان) بحيث لا تستعصي عليهم في شيء مما يريدون بها من الركوب والحمل والسوق إلى ما شاءوا والذبح مع كمال قوتها وقدرتها فهو نعمة من النعم الظاهرة ولهذا ألزم الله الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله :﴿سُبْحَـانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـاذَا وَمَا كُنَّا لَه مُقْرِنِينَ﴾ (الزخرف : ١٣) ﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ﴾ بفتح الراء بمعنى المركوب كالحلوب بمعنى المحلوب أي : فبعض منها مركوبهم أي : معظم منافعها الركوب وقطع المسافات وعدم التعرض للحمل لكونه من تتمات الركوب.
قال الكاشفي :(س بعضى ازان مركوب ايشانست كه بران سوارى كنند ون شتر) والركوب في الأصل كون الإنسان على ظهر حيوان وقد يستعمل في السفينة والراكب اختص في التعارف بممتطي البعير (والامتطاء : مركب ومطيه كرفتن) ﴿وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ أي : وبعض منها يأكلون لحمه وشحمه.
﴿وَلَهُمْ فِيهَا﴾ أي : في الأنعام المركوبة والمأكولة ﴿مَنَـافِعُ﴾ أخر غير الركوب والأكل كالجلود والأصواف والأوبار والأشعار والنسيلة أي : النتائج وكالحراثة بالثيران ﴿وَمَشَارِبُ﴾ من اللبن جمع مشروب والشرب تناول كل مائع ماء كان أو غيره ﴿أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ أي : أيشاهدون هذه النعم التي يتنعمون بها فلا يشكرون المنعم بها بأن يوحدوه ولا يشركوا به في العبادة فقد تولى المنعم أحداث تلك النعم ليكون أحداثها ذريعة إلى أن يشكروها فجعلوها وسيلة إلى الكفران كما شكا مع حبيبه وقال :
﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَـافِعُ وَمَشَارِبُا أَفَلا يَشْكُرُونَ * وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ * لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ * فَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ﴾.
﴿وَاتَّخَذُوا﴾ أي : مع هذه الوجوه من الإحسان ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أي : متجاوزين الله المتفرد بالقدرة المتفضل بالنعمة ﴿ءَالِهَةً﴾ من الأصنام وأشركوها به تعالى في العبادة ﴿لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ﴾ رجاء أن ينصروا من جهتهم فيما أصابهم من الأمور أو ليشفعوا لهم في الآخرة ثم استأنف فقال :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ أي : لا تقدر آلهتهم على نصرهم والواو لوصفهم الأصنام بأوصاف العقلاء ﴿وَهُمْ﴾ أي : المشركون ﴿لَهُمُ﴾ أي : لآلهتهم ﴿جُندٌ﴾ عسكر ﴿مُحْضَرُونَ﴾ أثرهم في النار أي : يشيعون عند مساقهم إلى النار ليجعلوا وقوداً لها وبالفارسية :(ساه اند حاضر كرده شد كان فرداكه لشكر ايشانند با ايشان حاضر شوند فردوزخ).
قال الكواشي : روي أنه يؤتى بكل معبود من دون الله ومعه اتباعه كأنهم جنده فيحضرون في النار هذا لمن أمر بعبادة نفسه أو كان جماداً :
عابد ومعبود باشد در جحيم
حسرت ايشان شود تاكه عظيم
﴿فَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ﴾ الفاء لترتيب النهي على ما قبله والنهي وإن كان بحسب الظاهر متوجهاً إلى قولهم لكنه في الحقيقة متوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونهي له عن التأثر منه
٤٣٤


الصفحة التالية
Icon