ـ روي ـ أن جماعة من كفار قريش منهم أبيّ بن خلف ووهب بن حذافة بن جمع وأبو جهل والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة اجتمعوا يوماً فقال أبيّ بن خلف : ألا ترون إلى ما يقول محمد أن الله يبعث الأموات ثم قال : واللات والعزى لأذهبن إليه ولأخصمنه وأخذ عظماً بالياً فجعل يفتيه بيده ويقول : يا محمد إن الله يحيي هذا بعدما رمّ قال عليه السلام :"نعم ويبعثك ويدخلك جهنم" فنزلت رداً عليه في إنكاره البعث لكنها عامة تصلح رداً لكل من ينكره من الإنسان لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وفي "الإرشاد" وإيراد الإنسان موضع المضمر لأن مدار الإنكار متعلق بأحواله من حيث هو إنسان كما في قوله تعالى :﴿أَوَلا يَذْكُرُ الانسَـانُ أَنَّا خَلَقْنَـاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْـاًا﴾ (مريم : ٦٧) والمعنى ألم يتفكر الإنسان المنكر للبعث أياً من كان ولم يعلم علماً يقينياً إنا خلقناه من نطفة وبالفارسية :(آيا نديد وندانست ابيّ وغير او آنراكه ما بيافريديم اورا از آبى مهين در قرارى مكين هل روز اور در طور نطفه نكه داشتيم تا مضغه كشت مصطفى عليه السلام كفت "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله عز وجل إليه ملكاً بأربع كلمات فيقول : اكتب أجله ورزقه وإنه شقي أو سعيد" آنكه تقطيع هيكل أو صورت شخص او در ظهور آورديم واورا كسوت بشريت وشانيديم وازان قرار مكين باين فضاى رحيب آورديم واز بستان رازخون اورا شير صافى داديم وبعقل وفهم وسمع وبصر ودل وجان اورا بياراستيم وبقبض وبسط ومشي وحركات اورا قوت ديديم وون ازان نطفه باين رتب رسانيديم وسخن كوى ودلير كشت) ﴿فَإِذَا هُوَ﴾ (س آنكاء او) ﴿خَصِيمٌ﴾ شديد الخصومة والجدال بالباطل ﴿مُّبِينٍ﴾ أي : مبين في خصومته أو مظهر للحجة وهو عطف على الجملة المنفية داخل في حيز الإنكار والتعجيب كأنه قيل أولم ير أنا خلقناه من أخس الأشياء وأمهنها ففاجأ خصومتنا في أمر يشهد بصحته وتحققه مبدأ فطرته شهادة بينة فهذا حال الإنسان الجاهل الغافل ونعم ما قيل :
أعلمه الرماية كل يوم
فلما اشتد ساعده رماني
أعلمه القوافي كل حين
فلما قال قافية هجاني
وما قيل :
لقدر ربيت جرواً طول عمري
فلما صار كلباً عض رجلي
٤٣٦
قال السمرقندي : العامل في إذا المفاجأة معنى المفاجأة وهو عامل لا يظهر استغنى عن إظهاره بقوة ما فيها من الدلالة عليه ولا يقع بعدها إلا الجملة المركبة من المبتدأ والخبر وهو في المعنى فاعل لأن معنى ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ﴾ فاجأه خصومة بينة كما أن معنى قوله :﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ (الروم : ٣٦) فاجأهم قنوطهم أو مفعول أي : فاجأ الخصومة وفاجأوا القنوط يعني خاصم خالقه مخاصمة ظاهرة وقنطوا من الرحمة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤