المفعولات ولا شك أن تعددها لا يوجب للفعل زيادة إذ الفعل الواقع قد يقع على جماعة متعددين وعلى هذا القسم تنزل صفات الله وارتفع الإشكال ولهذا قال بعضهم في حكيم معنى المبالغة فيه تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع.
وقال في "الكشاف" : المبالغة في التواب للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عباده أو لأنه بليغ في قبول التوبة ينزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط لسعة كرمه ﴿إِنَّمَآ أَمْرُهُ﴾ أي : شأنه تعالى ﴿إِذَآ أَرَادَ شَيْـاًا﴾ وجود شيء من الأشياء خلقه ﴿أَن يَقُولَ لَه كُن﴾ أي : أن يعلق به قدرته ﴿فَيَكُونُ﴾ قرىء بالنصب على أن يكون معطوف على يقول والجمهور على رفعه بناء على أنه في تقدير فهو يكون بعطف الجملة الاسمية على الاسمية المتقدمة وهي قوله ﴿إِنَّمَآ أَمْرُه إِذَآ أَرَادَ شَيْـاًا أَن يَقُولَ لَه كُن﴾ فالمعنى فهو يحدث من غير توقف على شيء آخر أصلاً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
وهذا تمثيل لتأثير قدرته تعالى فيما أراده بأمر الآمر المطاع للمأمور المطيع في سرعة حصول المأمور به من غير توقف على شيء ما وهو قول أبي منصور الماتريدي لأنه لا وجه لحمل الكلام على الحقيقة إذ ليس هناك قول ولا آمر ولا مأمور لأن الأمر إن كان حال وجود المكون فلا وجه للأمر وإن كان حال عدمه فكذلك إذ لا معنى لأن يؤمر المعدوم بأن يوجد نفسه.
قال النقشبندي : والتعقيب في فيكون إنما نشأ من العبارة وإلا فلا تأخير ولا تعقيب في سرعة نفوذ قضائه سبحانه (وكويند اين كن كلمه علامتيست كه ون ملائكة بشنوند دانندكه خير حادث خواهد شد) :
حرفيست كاف ونون زتو امير صنع او
ازقاف تابقاف بدين حرف كشته دال
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن الإرادة الأزلية كما تعلقت بإيجاد المكونات تعلقت القدرة الأزلية على وفق الحكمة الأزلية بالمقدورات إلى الأبد على وفق الإرادة بإشارة أمر كن فيكون إلى الأبد ما شاء في الأزل انتهى.
فإن قلت إرادته قديمة فلو كان القول قديماً صار المكون قديماً.
قلت : تعلق الإرادة حادث في وقت معين وهو وقت وجود المكون في الخارج والعين فلا يلزم ذلك.
وعن بعض الكبار في قوله عليه السلام :"إن الله فرد يحب الفرد" إن مقام الفردية يقتضي التثليث فهو ذات وصفة وفعل وأمر الإيجاد يبتني على ذلك وإليه الإشارة بقوله :﴿إِنَّمَآ أَمْرُهُ﴾ الخ فهو ذات وإرادة وقول والقول مقلوب اللقاء بعد الإعلال فليس عند الحقيقة هناك قول وإنما لقاء الموجد اسم فاعل بالموجد اسم مفعول وسريان هويته إليه وظهور صفته وفعله فيه فافهم هذه الدقيقة وعليها يدور سر قوله تعالى :﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى﴾ (الحجر : ٢٩) إذ لا نفخ هناك أصلاً وإنما هو تصوير قال الحسين النوري قدس سره : ابدأ الأكوان كلها بقوله كن إهانة وتصغيراً ليعرف الخلق إهانتها ولا يركنوا إليها ويرجعوا إلى مبدئها ومنشئها فشغل الخلق زينة الكون فتركهم معه واختار من خواصه من أعتقهم من رق الكون وأحياهم به فلم يجعل للعلل عليهم سبيلاً ولا للآثار فيهم طريقاً :
محو معنى وفارع از صورم
نيست از جلوه صور خبرم
تاشدم از سواى حق فانى
يافتم من وجود حقانى
شد زمن غائب عالم اكوان
ديده ام كشت رزنور جهان
٤٤١
﴿فَسُبْحَـانَ الَّذِى بِيَدِه مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ الملكوت والرحموت والرهبوت والجبروت مصادر زيدت الواو والتاء فيها للمبالغة في الملك والرحمة والرهبة والجبر.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
قال في "المفردات" : الملكوت مختص بملك الله تعالى والملك ضبط الشيء والتصرف فيه بالأمر والنهي أي : فإذا تقرر ما يوجب تنزهه تعالى وتنزيهه أكمل إيجاب من الشؤون المذكورة كالإنشاء والإحياء وأن إرادته لا تتخلف عن مراده ونحو ذلك فنزهوا الله الذي بيده أي : تحت قدرته وفي تصرف قبضته ملك كل شيء وضبطه وتصرفه عما وصفوه تعالى به من العجز وتعجبوا مما قالوه في شأنه تعالى من النقصان وبالفارسية :(س وصف كنيد به اكى وبى عيبى آنكسى راكه بدست اقتدار اوست ادشاهى همه يز) ﴿وَإِلَيْهِ﴾ لا إلى غيره إذ لا مالك سواه على الإطلاق ﴿تُرْجَعُونَ﴾ تردون بعد الموت فيجازيكم بأعمالكم وهو وعد للمقرين ووعيد للمنكرين يعني :(وعده دوستانست ووعيد دشمنان اينانرا شديد العقابست وآنانرا) طوبى لهم وحسن مآب فالخطاب للمؤمنين والكافرين.
وفي "التأويلات النجمية" : أثبت لكل شيء ملكوتاً وملكوت الشيء ما هو الشيء به قائم ولو لم يكن للشيء ملكوت يقوم به لما كان شيء والملكوتات قائمة بيد قدرته.
﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ بالاختيار أهل القبول وبالاضطرار أهل الرد عصمنا الله من الرد بفضله وسعة كرمه اهـ.