"والخامس" للمبتدأ إما لمبدأ العدد كقولك واحد اثنين وإما لمبدأ الخط كقولك النقطة الواحدة والوحدة في كلها عارضة فإذا وصف الله عز وجل بالواحد فمعناه هو الذي لا يصح عليه التجزي ولا التكثر ولصعوبة هذه الوحدة قال الله تعالى :﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ﴾ (الزمر : ٤٥) انتهى.
قال الغزالي رحمه الله : الواحد هو الذي لا يتجزى
٤٤٦
ولا يثنى.
أما الذي لا يتجزى فكالجوهر الواحد الذي لا ينقسم فيقال إنه واحد بمعنى أنه لا جزء له وكذا النقطة لا جزء لها والله تعالى واحد بمعنى أنه يستحيل تقدير الانقسام على ذاته.
وأما الذي لا يثنى فهو الذي لا نظير له كالشمس مثلاً فإنها وإن كانت قابلة للقسمة بالوهم متجزئة في ذاتها لأنها من قبيل الأجسام فهي لا نظير لها إلا أنه يمكن لها نظير فما في الوجود موجود ينفرد بخصوص وجود إلا ويتصور أن يشاركه فيه غيره إلا الله تعالى فإنه الواحد المطلق أزلاً أبداً فالعبد إنما يكون واحداً إذا لم يكن في أبناء جنسه نظير له في خصلة من خصال الخير وذلك بالإضافة إلى أبناء جنسه وبالإضافة إلى الوقت إذ يمكن أن يظهر في وقت آخر مثله وبالإضافة إلى بعض الخصال دون الجميع فلا وحدة على الإطلاق إلاتعالى انتهى.
ولا يوحده تعالى حق توحيده إلا هو إذ كل شيء وحده أي : أثبت وجوده وفعله بتوحيده فقد جحده بإثبات وجود نفسه وفعله وإليه الإشارة بقول الشيخ أبي عبد الله الأنصاري قدس سره تعالى :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
ما وحد الواحد من واحد
إذ كل من ينعته جاحد
فإذا أفنى الوجود المجازي صح التوحيد الحقيقي الذاتي وكل شيء من الأشياء عين مرآة توحيده كما قالوا :
ففي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
وذلك لأن كل شيء واحد بهويته أو بانتهائه إلى الجزء الذي لا يتجزى أو بغير ذلك :
تادم وحدت زدى حافظ شوريده حال
خامه توحيد كش برورق اين وآن
قال الشيخ الزروقي في "شرح الأسماء" : من عرف أنه الواحد أفرد قلبه له فكان واحداً به وقد فسر قوله عليه السلام "إن الله وتر يحب الوتر" يعني : القلب المنفرد له.
وخاصة هذا الاسم الواحد إخراج الكون من القلب فمن قرأه ألف مرة خرج الخلائق من قلبه فكفى خوف الخلق وهو أصل كل بلاء في الدنيا والآخرة وسمع عليه السلام رجلاً يقول في دعائه :"اللهم إني أسألك باسمك الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد فقال :"سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى".
وفي "الأربعين الإدريسية" يا واحد الباقي أول كل شيء وآخره.
قال السهرودي يذكره من توالت عليه الأفكار الرديئة فتذهب عنه وإن قرأه الخائف من السلطان بعد صلاة الظهر خمسمائة مرة فإنه يأمن ويفرج همه ويصادقه أعداؤه ﴿رَّبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ خبر ثانٍ لأن أي : مالك السموات والأرض وما بينهما من الموجودات ومربيها ومبلغها إلى كمالاتها ﴿وَرَبُّ الْمَشَـارِقِ﴾ أي : مشارق الشمس وهي ثلاثمائة وستون مشرقاً تشرق كل يوم من مشرق منها وبحسبها تختلف المغارب ولذلك اكتفى بذكرها يعني إذا كانت المشارق بهذا العدد تكون المغارب أيضاً بهذا العدد فتغرب في كل يوم من مغرب منها وأما قوله تعالى :﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ (الرحمن : ١٧) فهما مشرقا الصيف والشتاء ومغرباهما وقوله :﴿رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾ أراد به الجهة فالمشرق جهة والمغرب جهة وإعادة الرب في المشارق لغاية ظهور آثار الربوبية فيها وتجددها كل يوم كما ذكر آنفاً.
تلخيصه هو رب جميع الموجودات وربوبيته لذاته لا لنفع يعود إليه بخلاف
٤٤٧
تربية الخلق والربوبية بمعنى المالكية والخالقية ونحوهما عامة وبمعنى التربية خاصة بكل نوع بحسبه فهو مربي الأشباح بأنواع نعمه ومربي الأرواح بلطائف كرمه ومربي نفوس العابدين بأحكام الشريعة ومربي قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ومربي أسرار المحبين بأنوار الحقيقة والرب عنوان الأدعية فلا بد للداعي من استحضاره لساناً وقلباً حتى يستجاب في دعائه اللهم ربنا إنك أنت الواحد وحدة حقيقية ذاتية لا انقسام لك فيها فاجعل توحيدنا توحيداً حقانياً ذاتياً سرياً لا مجازية فيه وإنك أنت الرب الكريم الرحيم فكما أنك ربنا وخالقنا فكذا مربينا ومولينا فاجعلنا في تقلبات أنواع نعمك شاغلين بك فارغين عن غيرك وأوصل إلينا من كل خيرك
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤


الصفحة التالية
Icon