﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا﴾ أي : القربى منكم ومن الأرض وأما بالنسبة إلى العرش فهي البعدي.
والدنيا تأنيث الأدنى بمعنى الأقرب ﴿بِزِينَةٍ﴾ عجيبة بديعة ﴿الْكَوَاكِبِ﴾ بالجر بدل من زينة على أن المراد بها الاسم أي : يزان به لا المصدر فإن الكواكب بأنفسها وأوضاع بعضها عن بعض زينة وأي زينة.
وفيه إشارة إلى أن الزينة التي تدرك بالبصر يعرفها الخاصة والعامة وإلى الزينة التي يختص بمعرفتها الخاصة وذلك أحكامها وسيرها والكواكب معلقة في السماء كالقناديل أو مكوكبة عليها كالمسامير على الأبواب والصناديق وكون الكواكب زينة للسماء الدنيا لا يقتضي كونها مركوزة في السماء الدنيا ولا ينافي كون بعضها مركوزة فيما فوقها من السموات لأن السموات إذا كانت شفاعة وأجراماً صافية فالكواكب سواء كانت في السماء الدنيا أو في سماوات أخرى فهي لا بد وأن تظهر في السماء الدنيا وتلوح منها فتكون سماء الدنيا مزينة بالكواكب.
"والحاصل" : أن المراد هو التزيين في رأي العين سواء كانت أصول الزينة في سماء الدنيا أو في غيرها وهذا مبني على ما ذهب إليه أهل الهيئة من أن الثوابت مركوزة في الفلك الثامن وما عدا القمر في السنة المتوسطة وإن لم يثبت ذلك فحقيقة العلم عند الله تعالى ﴿وَحِفْظًا﴾ منصوب بعطفه على زينة باعتبار المعنى كأنه قيل إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظاً برمي الشهب ﴿مِّن كُلِّ شَيْطَـانٍ مَّارِدٍ﴾ أي : خارج عن الطاعة متعر عن الخير من قولهم شجر أمرد إذا تعرى من الورق ومنه الأمرد لتجرده عن الشعر.
وفي "التأويلات النجمية" بقوله :﴿إِنَّا زَيَّنَّا﴾ إلخ يشير إلى الرأس فإنه بالنسبة إلى البدن كالسماء مزين ﴿بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ الحواس وأيضاً زين سماء الدنيا بالنجوم وزين قلوب أوليائه بنجوم المعارف والأحوال وكما حفظ السموات بأن جعل النجوم للشياطين رجوماً كذلك زين القلوب بأنوار التوحيد فإذا قرب منها الشياطين رجموهم بنور معارفهم كما قال :﴿وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَـانٍ مَّارِدٍ﴾ يعني : من شياطين الإنس.
وحكي أن أبا سعيد الخراز قدس سره رأى إبليس في المنام فأراد أن يضربه بالعصا فقال : يا أبا سعيد أنا لا أخاف العصا وإنما أخاف من شعاع شمس المعرفة :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
بسوزد نور اك اهل عرفان دير نارى را†
﴿لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلا الاعْلَى﴾ أصل يسمعون يتسمعون فأدغمت التاء في السين وشددت والتسمع وتعديته بإلى لتضمنه معنى الإصغاء.
والملأ جماعة يجتمعون على رأي فيملأون
٤٤٨
العيون رواء والنفوس جلالة وبهاء والملأ الأعلى الملائكة أو أشرافهم أو الكتبة وصفوا بالعلو لسكونهم في السموات العلى، والجن والإنس هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض وهذا كلام مبتدأ مسوق لبيان حالهم بعد بيان حفظ السماء منهم مع التنبيه على كيفية الحفظ وما يعتريهم في أثناء ذلك من العذاب.
والمعنى : لا يتطلبون السماء والإصغاء إلى الملائكة الملكوتية يعني :(ملائكه كه مطلع اند بر بعضى از اسرار لوح بايكديكر ميكويند ايشانرا نمى شنوند بلكه طاقت شنودن وكوش فرانهادن ندارند) ﴿وَيُقْذَفُونَ﴾ القذف الرمي البعيد ولاعتبار البعد فيه قيل منزل قذف وقذيف وقذفته بحجر رميت إليه حجراً منه قذفه بالفجور أي : يرمون وبالفارسية :(وانداخته مى شوند) ﴿مِن كُلِّ جَانِبٍ﴾ من جميع جوانب السماء إذا قصدوا الصعود إليها ﴿دُحُورًا﴾ علة للقذف أي : للدحور وهو الطرد يقال دحره دحراً ودحوراً إذا طرده وأبعده ﴿وَلَهُمُ﴾ في الآخرة غير ما في الدنيا من عذاب الرجم بالشهب ﴿عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ دائم غير منقطع من وصب الأمر وصوباً إذا دام.