قال في "المفردات" : الوصب السقم اللازم ﴿إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ استثناء من واو يسمعون ومن بدل منه.
والخطف الاختلاس بسرعة والمراد اختلاس الكلام أي : كلام الملائكة مسارقة كما يعرب عنه تعريف الخطفة أي : لا يسمع جماعة الشياطين إلا الشيطان الذي خطف أي : اختلس الخطفة أي : المرة الواحدة يعني كلمة واحدة من كلام الملائكة وبالفارسية :(وانرا قوت استماع كلام ملائكه نيست مكر كسى كه درربايد يك ربودن يعنى بد زدد سخنى ازفرشته) ﴿فَأَتْبَعَهُ﴾ أي : طبعه ولحقه وبالفارسية :(س ازى در ريد اورا).
قال ابن الكمال : الفرق بين اتبعه وتبعه أنه يقال اتبعه اتباعاً إذا طلب الثاني اللحوق بالأول وتبعه تبعاً إذا مر به ومضى معه ﴿شِهَابٌ﴾.
قال في "القاموس" : الشهاب ككتاب شعلة من نار ساطعة انتهى والمراد هنا ما يرى منقضاً من السماء ﴿ثَاقِبٌ﴾.
قال في "المفردات" : الثاقب النير المضيىء يثقب بنوره وإضاءته ما يقع عليه انتهى أي : مضى في الغاية كأنه يثقب الجو بضوئه يرجم به الشياطين إذا صعدوا لاستراق السمع.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بينما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه إذ رمى بنجم فاستنار فقال عليه السلام :"ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية" فقالوا : يموت عظيم أو يولد عظيم فقال :"إنه لا يرمى لموت أحد ولا لحياته ولكن الله إذا قضى أمراً يسبحه حملة العرش وأهل السماء السابعة يقولون" أي : أهل السماء السابعة "لحملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم فيستخبر أهل كل سماء أهل سماء حتى ينتهي الخبر إلى السماء الدنيا فيتخطف الجن فيرمون فما جاءوا به على وجهه هو حق ولكنهم يزيدون فيه ويكذبون فما ظهر صدقه فهو من قسم ما سمع من الملائكة وما ظهر كذبه فهو من قسم ما قالوه".
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
قيل : كان ذلك في الجاهلية أيضاً لكن غلظ المنع وشدّد حين بعث النبي عليه السلام.
قيل : هيئة استراقهم أن الشياطين يركب بعضهم بعضاً إلى السماء الدنيا فيسمع من فوقهم الكلام فيلقيه إلى من تحته ثم هو يلقيه إلى الآخر حتى إلى الكاهن فيرمون بالكوكب فلا يخطىء أبداً فمنهم من يقتل ومنهم من يحرق بعض أعضائه وأجزائه ومنهم من يفسد عقله وربما
٤٤٩
أدركه الشهاب قبل أن يلقيه وربما ألقاه قبل أن يدركه ولأجل أن يصيبهم مرة ويسلمون أخرى لا يرتدعون عن الاستراق بالكلية كراكب البحر للتجارة فإنه قد يصيبه الموج وقد لا يصيبه فلذا يعود إلى ركوب البحر رجاء السلامة.
ولا يقال إن الشيطان من النار فلا يحترق لأنه ليس من النار الصرف كما أن الإنسان ليس من التراب الخالص مع أن النار القوية إذا استولت على الضعيفة استهلكتها ثم إن المراد بالشهاب شعلة نار تنفصل من النجم لا أنه النجم نفسه لأنه قار في الفلك على حاله.
"وقالت الفلاسفة" : إن الشهب إنما هي أجزاء نارية تحصل في الجو عند ارتفاع الأبخرة المتصاعدة واتصالها بالنار التي دون الفلك انتهى.
وقال بعض كبار أهل الحقيقة : لولا الأثير الذي هو بين السماء والأرض ما كان حيوان ولا نبات ولا معدن في الأرض لشدة البرد الذي في السماء الدنيا فهو يسخن العالم لتسري فيه الحياة بتقدير العزيز العليم وهذا الأثير الذي هو ركن النار متصل بالهواء والهواء حار رطب ولما في الهواء من الرطوبة إذا اتصل بهذا الأثير أثر فيه لتحركه اشتعالاً في بعض أجزاء الهواء الرطبة فبدت الكواكب ذوات الأذناب لأنها هواء محترق لا مشتعل وهي سريعة الاندفاع وإن أردت تحقيق هذا فانظر إلى شرر النار إذا ضرب الهواء النار بالمروحة يتطاير منها شرر مثل الخيوط في رأى العين ثم تنطفىء كذلك هذه الكواكب وقد جعلها الله رجوماً للشياطين الذين هم كفار الجن كما قال الله تعالى انتهى كلامه قدس سره.
قال بعضهم : لما كان كل نير يحصل في الجو مصابيح لأهل الأرض فيجوز أن تنقسم إلى ما تكون باقية على وجه الدهر آمنة من التغير والفساد وهي الكواكب المركوزة في الأفلاك وإلى ما لا تبقى بل تضمحل وهو الحادث بالبخار الصاعد على ما ذهب إليه الفلاسفة أو بتحريك الهواء الأثير وإشعاله على ما ذهب إليه بعض الكبار فلا يبعد أن يكون هذا الحادث رجماً للشيطان.
يقول الفقير أغناه الله القدير : قول بعض الكبار يفيد حدوث بعض الكواكب ذوات الأذناب من التحريك المذكور وهي الكواكب المنقضة سواء كانت ذوات أذناب أو لا وهذا لا ينافي ارتكاز الكواكب الغير الحادثة في أفلاكها أو تعليقها في السماء أو بأيدي الملائكة كالقناديل المعلقة في المساجد أو كونها ثقباً في السماء أو عروقاً نيرة من الشمس على ما ذهب إلى كل منها طائفة من أهل الظاهر والحقيقة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤


الصفحة التالية
Icon