قال قتادة : جعل الله النجوم لثلاث زينة للسماء ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم له به، فعلى طالب الحق أن يرجم شيطانه بنور التوحيد والعرفان كيلا يحوم حول جنانه ويكون كالملأ الأعلى في الاشتغال بشأنه :
كاه كويى اعوذوكه لا حول
ليك فعلت بود مكذب قول
بحقيقت بسوز شيطانرا
ساز از نور حال درمانرا
﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ خطاب للنبي عليه السلام والضمير لمشركي مكة (والاستفتاء : فتواى خواستن) والفتيا والفتوى الجواب عما يشكل من الأحكام يقال استفيته فأفتاني بكذا.
قال بعضهم : الفتوى من الفتى وهو الشاب القوي وسمي الفتوى فتوى لأن المفتي يقوي السائل في جواب الحادثة وجمعه فتاوي بالفتح والمراد بالاستفتاء هنا الاستخبار كما في قوله تعالى في قصة أهل
٤٥٠
الكهف ﴿وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾ (الكهف : ٢٢) وليس المراد سؤال الاستفهام بل التوبيخ.
والمعنى فاستخبر يا محمد مشركي مكة توبيخاً واسألهم سؤال محاجة ﴿أَهُمْ﴾ (آيا ايشان) ﴿أَشَدُّ خَلْقًا﴾ أقوى خلقة وأمتن بنية أو أصعب على الخالق خلقاً أو أشق إيجاداً ﴿أَم مَّنْ﴾ أي : أم الذي ﴿خَلَقْنَا﴾ من الملائكة والسماء والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشهب الثواقب والشياطين المردة ومن لتغليب العقلاء على غيرهم ﴿إِنَّا خَلَقْنَـاهُم﴾ أي : خلقنا أصلهم وهو آدم وهم من نسله ﴿مِّن طِينٍ لازِب﴾ لاصق يلصق ويعلق باليد لا رمل فيه.
قال في ا"المفردات" : اللازب الثابت الشديد الثبوت ويعبر بالازب عن الواجب فيقال ضربة لازب اهـ والباء بدل من الميم والأصل لازم مثل مكة وبكة كما في "كشف الأسرار".
والمراد إثبات المعاد ورد استحالتهم وتقريره أن استحالة المعاد إما لعدم قابلية المادة ومادتهم الأصلية هي الطين اللازب الحاصل من ضم الجزء المائي إلى الجزء الأرضي وهما باقيان قابلان الإنضمام بعد وإما لعدم قدرة الفاعل وهو باطل فإن من قدر على خلق هذه الأشياء العظيمة قادر على ما يعتد به بالإضافة إليها وهو خلق الإنسان وإعادته سيما ومن الطين اللازب بدأهم وقدرته ذاتية لا تتغير فهي بالنسبة إلى جميع المخلوقات على السواء (س هركاه خورشيد قدرت ازافق ارادت طلوع نمايد ذرات مقدورات در هواى ابداع وفضاى اختراع بجلوه در آيند) قدس سره :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
كاينك زعدم سوى وجود آمده ايم†
قال الشيخ سعدي قدس سره :
بامرش وجود از عدم نقش بست
كه داند جزاو كردن ازنيست هست
دكرره بكتم عدم در برد
واز آنجا بصحراى محشر برد
وفي الآية إشارة إلى أنه تعالى أودع في الطينة الإنسانية خصوصية لزوب ولصوق يلصق بكل شيء صادفه فصادف قوما الدنيا فلصقوا بها وصادف قوماً الآخرة فلصقوا بها وصادف قوماً نفحات ألطاف الحق فلصقوا بها فأذابتهم وجذبتهم عن أنانيتهم بهويتها كما تذيب الشمس الثلج وتجذبه إليها فطوبى لعبد لم يتعلق بغير الله تعالى.
قال الحافظ :
غلام همت آنم كه زير رخ كبود
زهره رنك تعلق ذيرد آزادست
﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ﴾.
قال سعدي المفتي إضراب عن الأمر بالاستفتاء أي : لا تستفتهم فإنهم معاندون ومكابرون لا ينفع فيهم الاستفتاء وانظر إلى تفاوت حالك وحالهم أنت تعجب من قدرة الله تعالى على خلق هذه الخلائق العظيمة ومن قدرته على الإعادة وإنكارهم للبعث وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث.
وقال قتادة : عجب نبي الله من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم وذلك أن النبي عليه السلام كان يظن أن كل من يسمع القرآن يؤمن به فلما سمع المشركون القرآن فسخروا منه ولم يؤمنوا عجب من ذلك النبي عليه السلام فقال الله تعالى :﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ﴾ والسخرية الاستهزاء والعجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء ولهذا قال بعض الحكماء العجب ما لا يعرف سببه ولهذا قيل :
٤٥١
لا يصح على الله التعجب إذ هو علام الغيوب لا يخفى عليه خافية.
والعجب في صفة الله تعالى قد يكون بمعنى الإنكار الشديد والذم كما في قراءة بل عجبت بضم التاء وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضى كما في حديث "عجب ربكم من شاب ليست له صبوة ونخوة".
وفي "فتح الرحمن" هي عبارة عما يظهره الله في جانب المتعجب منه من التعظيم والتحقير حتى يصير الناس متعجب منه انتهى.
وسئل الجنيد عن هذه الآية فقال : إن الله تعالى لا يعجب من شيء ولكن الله وافق رسوله فقال :﴿وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ (الرعد : ٥) أي : هو كما تقوله.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤


الصفحة التالية
Icon