﴿هَـاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ أي : القضاء أو الفرق بين فريقي الهدى والضلال ﴿الَّذِى كُنتُم بِه تُكَذِّبُونَ﴾ أي : كنتم على الاستمرار تكذبون به وتقولون إنه كذب ليس له أصل أبداً فيقول الله تعالى للملائكة ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ الحشر يجيىء بمعنى البعث وبمعنى الجمع والسوق وهو المراد ههنا دون الأول كما لا يخفى والمراد بالظالمين المشركون من بني آدم (جمع كنيدوبهم آريد آنانرا كه ستم كردند برخود بشرك) ﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ أي : أشباههم من أهل الشرك والكفر والنفاق والعصيان عابد الصنم مع عبدته وعابد الكواكب مع عبدتها واليهود مع اليهود والنصارى مع النصارى والمجوس مع المجوس وغيرهم من الملل المختلفة ويجوز أن يكون المراد بالأزواج نساءهم اللاتي على دينهم أو قرناءهم من الشياطين كل كافر مع شيطانه في سلسلة ﴿وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ﴾ من الأصنام ونحوها زيادة في تحسيرهم وتخجيلهم ﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ الضمير للظالمين وأزواجهم ومعبوديهم أي : فعرّفوهم طريق جهنم ووجهوهم إليها وفيه تهكم بهم.
ويقال : الظالم في الآية عام على من ظلم نفسه وغيره فيحشر كل ظالم مع من كان معيناً له أهل الخمر مع أهل الخمر وأهل الزنى مع أهل الزنى وأهل الربا مع أهل الربا وغيرهم كل مع مصاحبه (درقوت القلوب آورده كه يكى از عبد الله بن مبارك قدس سره رسيدكه من خياطم واحيانا براى ظلمه امه مى دوزم ناكاه ازعوان ايشان نباشيم ابن مبارك فرمودنى توكه ازاعوان نيستى بلكه از ظالمانى اعوان ظلمه آنها اندكه سوزن ورشته بتو ميفروشند).
وفي الفروع ويكره للخفاف والخياط أن يستأجر على عمل من زي الفساق ويأخذ في ذلك أجراً كثيراً لأنه إعانة على المعصية (نقليست كه يكبار امام اعظم رضي الله عنه را محبوس كردنديكى از ظلمه بيامدكه مر اقلمى تراش كن كفت ترسم كه ازان قوم باشم كه حق تعالى ميفرمايد) ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ أي : أتباعهم وأعوانهم وأقرانهم المقتدين بهم في أفعالهم وفي الحديث "امرؤ القيس قائد لواء الشعراء إلى النار" كما في "تذكرة القرطبي" :
يار ظالم مباش تانشوى
روز حشر ازشماره ايشان
٤٥٣
ـ روي ـ ان ابن المبارك رؤي في المنام فقيل له : ما فعل بك ربك؟ فقال : عاتبني وأوقفني ثلاث سنين بسبب أني نظرت باللطف يوماً إلى مبتدع فقال : إنك لم تعاد عدوى فكيف حال القاعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
وفي "الروضة" : يجيب دعوة الفاسق والورع أن لا يجيب ويكره للرجل المعروف الذي يقتدى به أن يتردد إلى رجل من أهل الباطل وأن يعظم أمره بين الناس فإنه يكون مبتدعاً أيضاً ويكون سبباً لترويج أمره الباطل واتباع الناس له في اعتقاده الفاسد وفعله الكاسد.
والحاصل أن أرباب النفوس الأمارة كانوا يدلون في الدنيا على صراط الجحيم من حيث الأسباب من الأقوال والأفعال والأخلاق فلذا يحشرون على ما ماتوا وكذلك من أعان صاحب فترة في فترته أو صاحب زلة في زلته كان مشاركاً في عقوبته واستحقاق طرده وإهانته كما اشتركت النفوس والأجساد في الثواب والعقاب نسأل الله العمل بخطابه والتوجه إلى جنابه والسلوك بتوفيقه والاهتداء إلى طريقه إنه المعين ﴿وَقِفُوهُمْ﴾ قفوا أمر من وقفه وقفاً بمعنى حبسه لا من وقف وقوفاً بمعنى دام قائماً فالأول متعد والثاني لازم.
والمعنى : احبسوا المشركين أيها الملائكة عند الصراط كما قال بطريق التعليل ﴿إِنَّهُم مَّسْـاُولُونَ﴾ عما ينطق به وقوله تعالى :﴿مَالَكُمْ﴾ (يست بشماكه) ﴿لا تَنَاصَرُونَ﴾ حال من معنى الفعل في مالكم أي : ما تصنعون حال كونكم غير متناصرين وحقيقته ما سبب عدم تناصركم وأن لا ينصر بعضكم بعضاً بالتخليص من العذاب كما كنتم تزعمون في الدنيا كما قال أبو جهل يوم بدر نحن جميع منتصر يعني :(ما همه هم شتيم يكد يكررا تاكين كشيم از محمد) وتأخير هذا السؤال إلى ذلك الوقت لأنه وقت تنجز العذاب وشدة الحاجة إلى النصرة وحالة انقطاع الرجاء منها بالكلية فالتوبيخ والتقريع حينئذٍ أشد وقعاً وتأثيراً وفي الحديث :"لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة عن شبابه فيم أبلاه وعن عمره فيم أفناه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن عمله ماذا عمل به".